شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الاثنين، فبراير 06، 2012

البحث العلمي في الإسلام


البحث العلمي في الإسلام

اصطفى الله - سبحانه وتعالى - وأعد سيِّدنا محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لِحَمل رسالة الإسلام، وجعلها الله خاتمةَ الشَّرائع السماويَّة، وخاطب بها البشريَّة في مختَلِف العصور وسائر البِقَاع، وجعل أساسها وركيزتها الأولى العِلمَ والخلق؛ ولذا فقَد اختصَّ الله رسولَ الإسلام بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: 4][1].

وكانت أوَّل كلمةٍ نزلَتْ في القرآن الكريم: ﴿ اقرأ ﴾، وهي تدلُّنا على الطَّريق السليم، والصِّراط المستقيم، والمُتمثِّل في مدى اهتمام الإسلام بالعِلم، وأهَمِّية البحث العلميِّ وقيمته بالنِّسبة للفرد والأُسرة والمُجتمع[2].

وقد جاء الإسلام داعِيًا إلى البحث العلميِّ والدِّراسة والتَّمحيص والتنقيب والمعرفة؛ فالحِكْمة ضالَّة المؤمن، وطلب العلم فريضةٌ على المسلمين، وهو في ذلك لا يميز بين عِلمٍ وآخَر، بل اعتبَر العلوم النافعة هي تلك التي تُحقِّق مصلحةً دينيَّة، أو توصل إلى منفعةٍ دنيويَّة، وقد دعا الإسلامُ إلى تمجيد العقل، وتحصيل العلم، حتَّى إنَّه قرنَ شهادة العلماء بشهادة الملائكة: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ[آل عمران: 18].

بل اعتبَر إيمانَ الإنسان وعبادة الله غير كاملةٍ ما لَم تَصْدر عن علمٍ وإدراك وبصيرة: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ[العنكبوت: 43][3].

وخلال الفترة الذهبيَّة من تاريخ الإسلام حتَّى القرن الثَّامن عشر، أُنشِئَت المدارس في مُختلِف البلاد الإسلاميَّة شرقًا وغربًا، وكثرت المكتبات، وامتلأَتْ بالمؤلَّفات في مختلِف العلوم، حتَّى إنَّ مكتبة خلفاء الأندلس، اشتملَتْ وحدها على سِتِّمائة ألف مجلَّد، وقد كان بالأندلس سبعون مكتبة عامَّة إلى جانبِ الكثير والكثير مِن المكتبات الخاصَّة، وقد اجتذبت هذه المكتباتُ الباحثين عن المعرفة من مَنابع العالَم المختلِفة ينهلون من علوم العرب ومؤلَّفاتهم.

ففي علم الكيمياء، يُعتبر "جابر بن حيان" مؤسِّسَ هذا العلم، وظلَّت أبحاثُه وما تَوصَّل إليه من معلوماتٍ ومعارف هي المرجِعَ الأوَّلَ في أوروبا، حتَّى القرن الثامن عشَر، وفي الطِّب كان كتاب "الحاوي" للطَّبَري، وهو من عشرين مجلَّدًا، وكذلك كتاب "القانون" لـ"ابن سِينا"، و"الموجز في الطب"، لـ"ابن النَّفيس"، تُعدُّ من أهمِّ المراجع العلميَّة الأساسية[4].

وفي علم البصريَّات كان "ابن الهيثم" في المقدِّمة؛ عن طريق تطبيق هندسيَّة معقَّدة، بالإضافة إلى القياسات المَضْبوطة في علم البحث البصري، نقلَ ابنُ الهيثم الدِّراسات الإغريقيَّةَ في انعكاسٍ وانكسارٍ بالضوء إلى نقطةٍ ظلَّت غير قابلة للتَّجاوز، أو بتعبيرٍ آخَر: مَقْبولة؛ باعتبارها دقيقة علميًّا حتَّى مَقْدم البصريَّات الحديثة[5].

ويقول وهو بصددِ بَحثه في كيفيَّة الإبصار: "نبتدئ في البحث باستِقْراء المَوْجودات، وتَصفُّح أحوال المُبصرات، وتَمييز خواصِّ الجزئيَّات، ونلتقط باستقراء ما يخصُّ البصر في حال الإبصار، وما هو مُطَّرِد، لا يتغيَّر، وظاهرٌ لا يشتبه من كيفيَّة الإحساس، ثُم نترقَّى في البحث والمقاييس على التدرُّج والترتيب، مع انتِقاد المُقدِّمات، والتحفُّظ في النتائج، ونَجْعل غرَضَنا في جميع ما نَسْتقريه ونتصفَّحُه استعمالَ العدل، لا اتِّباع الهوى، ونتحرَّى في سائر ما نميِّزه وننتقده طلَبَ الحقِّ لا الميل مع الآراء، فلعلَّنا ننتهي بهذا الطَّريق إلى الحقِّ الذي يثلج الصَّدر، ونَصِل بالتدريج إلى الغاية التي عندها يقَعُ اليقين، ونَظْفر مع النَّقد والتحفُّظ بالحقيقة التي يَزُول معها الخِلاف.

فجمع الحسن في هذا بَيْن الاستِقْراء والقياس، وقدم الأوَّل على الثاني، وحدد الشَّرط الأساسي للبحث العلمي، وهو الموضوعيَّة في طلب الحقِّ دون تأثُّر برأيٍ أو عاطفةٍ سابقة".

وقد أسمى التَّجربة بـ"الاعتبار"، وأسمى مَن يقوم بها بـ"المُعتبر"[6].

كذلك يَرجع الفضل للمسلمين في الطُّرق الحسابيَّة المستعمَلة في الحياة اليوميَّة، وهم الذين جعَلوا من الجَبْر عِلمًا حقيقيًّا، وتقدَّموا به تقدُّمًا كبيرًا، حتَّى اعتبروا أنَّهم هم الذين أسَّسوه، فالخوارزمي مؤسِّس علم الجبر، وكتابُه الشهير بعنوان "الجَبْر والمُقابَلة"، فيه طُرق حلِّ المَسائل بالوسائل المختلِفة، والخوارزميُّ الذي خلف على هذا العلم اسمَ الجَبْر، فانتقل إلى اللُّغات الأجنبيَّة بِلَقطة العربي Algebre، أو Algebra، مِمَّا يُؤكِّد عروبةَ هذا العلم كما أسَّس علماءُ العرب الهندسةَ التحليليَّة، وحسابَ المُثلَّثات الذي لَم يكن معروفًا عند اليونان.

وفي علم طبقات الأرض يُعتبر ما كتبَه الرَّئيس "ابن سينا" في كيفيَّة تكوين الجِبال والأحجار، والمَواد المعدنيَّة، وما إلى ذلك، من أهمِّ المراجع التي اعتمَدَتْ عليها أوروبا إبَّان نهضتها العلميَّة.

وفي علم الاجتماع يعتبر "ابن خَلْدون" أوَّلَ مفكِّرٍ اجتماعي استخدَم المنهج العلمي، فهو أوَّل مَن صاغ قوانين تقدُّمِ الأمم وانهيارها[7].

وكثيرًا ما يَرِدُ القول بأنَّ رسالة العلم العربيِّ لَم تكن إلاَّ وسيلة مواصلات، نقلَتْ علم اليونان إلى الغرب، فانطلق في تقدُّمِه في العصور الحديثة، ولو صحَّ ذلك لكان أصحابُ العلم الأصليُّون هم أولى النَّاس بالتقدُّم، ولَم يحدث ذلك، بل إنَّ الغرب نفسه، لَم تكن تُعْوِزه اللُّغة في قراءة التُّراث اليوناني، ولَم يكن في حاجةٍ إلى مَن يترجم إلى لغةٍ أخرى، فالعربيَّة أشَقُّ عليه من لغة اليونان والرُّومان، والواقع أنَّ العلم القديم كان في حاجةٍ إلى حاضِنة ثقافيَّة جديدة، يُفْرِخ من خلالها في ظلِّ أوضاع مختلفة، ولَم يكن العرب مجرَّد هاضمين لهذا العلم، بل لقَد استطاعوا أن يَنقلوا عن غيرهم، ثُمَّ أبدعوا شيئًا جديدًا، والعلم العربيُّ هو إحدى حلقات السِّلسة الثقافيَّة التي تعيشها اليوم[8].

ويشهد بأثر الحضارة الإسلاميَّة على الحضارة الأوروبيَّة كثيرٌ من الأوروبيين فيقول "سارتيون": إنَّ ما أتت به الحضارةُ الإسلاميَّة في باب العلم، ولا سيَّما العلوم وتطبيقها أعظم بكثيرٍ مِمَّا أتت به في ذلك السَّبيل مملكةُ بيزنطة.

كما يذهب "سيديو" إلى أنَّ العرب هم - في واقع الأمر - أساتذةُ أوروبا في جميع فروع المعرفة.

ونشير كذلك لبعض أقوال علماء الغرب عن الحضارة الإسلاميَّة، ومن هذه الأقوال: ذكَرَ "زيغريد هرنكه" أنَّ العرب قدَّموا لأوروبا أثمن هديَّة، وهي طريقة البحث العلميِّ الصحيح التي مهَّدَت أمام الغرب أسلوبَ كشف أسرار الطَّبيعة، وسيطرته عليها في الحاضر.

كما قال "ليبري" أنَّه لو لَم يَظهر العرب على مسرح التاريخ، لتأخَّرَت نهضةُ أوروبا عدَّة قرون.

كما أشار "كاراديفوا" بأنَّ العرب حَفِظوا، وحسَّنوا فروعًا مختلفة من فروع المعرفة، وأبقوا روحَ البحث حيَّة مُتحفِّزة لاستكشافات، ثم إنَّ مكتشفاتهم في الرياضيَّات هي أساسُ الحضارة الحديثة[9].



[1] "نحو حضارة إسلامية الإيمان والعلم"، أ. د: جميل بدران، أ.د: عليّ علي حبيشي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، (2002م)، صـ 9.
[2] "العلوم الإسلامية عبقرية التدخل وعبقرية الإبداع"، عالية شعبان، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة / (1997) صـ 5.
[3] "الحضارة الإسلامية وأخلاقيات المنهج العلمي"، محمد شفيق، القاهرة، (سبتمبر 2003) صـ 1.
[4] "البحث العلمي مع تطبيقات في مجال الدراسات الاجتماعية"، د. محمد شفيق، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، (2006م) صـ 294، 295.
[5] "المقدِّمات التاريخية للعلم الحديث"، توماس جولدشتاين، ترجمة: أحمد حسان عبد الواحد، الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، (2004 م) صـ 132.
[6] "مناهج البحث العلمي عند مفكري الإسلام"، د. علي سامي النشار، دار المعارف، القاهرة، (1996) صـ 374.
[7] "البحث العلمي مع تطبيقات في مجال الدراسات الاجتماعية"، مرجع سابق صـ 295.
[8] "فلسفة العلم"، د. صلاح قنصوة، الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة , (2003) صـ 120.
[9] "البحث العلمي مع تطبيقات في مجال الدراسة الاجتماعية"، مرجع سابق صـ 296.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق