شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الخميس، ديسمبر 27، 2012

دراسة خطيرة عن نشاط قنوات mbc ..


تجيب هذه الدراسة عن تساؤلين اثنين هما
1 - هل لهذه القنوات اتجاه فكري وسياسي محدد ؟

2 - هل في برامج هذه القنوات محاربة للتدين ومظاهره ؟

القنوات محل الدراسة
أجريت هذه دراسة على ثلاث قنوات من هذه المجموعة هي MBC2 - MBC4 - MBCACTION واخترت هذه القنوات لتقاربها في الوسيلة والطريقة فكلها قنوات مترجمة عن برامج وأفلام أجنبية .. أما قناتي MBC1 و MBC3 فالأولى تعتمد على البرامج والأفلام العربية .. والثانية متخصصة ببرامج الأطفال .. فلهما مجال بحث آخر
وتم تسجيل ثمان ساعات متواصلة لكل قناة بشكل عشوائي واخترت ثمان ساعات لأستنتج ما يدور في ثلث اليوم الواحد بأسلوب علمي منهجي .. والثلث كثير
وأود أن أوضح أموراً هامة من خلال هذه النتائج ومن خلال ما رصدته من برامج وأفلام القنوات محل الدراسة نتائج الدراسة
من خلال التأمل بأرقام كل بند نرى خطورة هذا النوع من القنوات .. ونستطيع أن نجيب على تساؤلي الدراسة بما يلي 1 - هل لهذه القنوات اتجاه فكري وسياسي محدد؟ يتضح أن هذه القنوات محل الدراسة أمريكية الصنع والمنشأ .. وهي تريد تلميع المجتمعات الأمريكية ونشر القيم الأمريكية في المجتمعات المسلمة .. في سنة واحد كلمة أمريكا أو أحد مدنها ستتكرر في MBC2 عدد 14040 مرة .. وفي في MBC4 عدد 39960 مرة .. وفي في MBC ACTION عدد 20520 مرة .. وراجع بقية البنود المتعلقة بأمريكا تجد أنها تعبر عن واقع خطير لهذه القنوات
2 - هل في برامج هذه القنوات محاربة للتدين ومظاهره ؟ تظهر الأرقام السابقة أن هذه القنوات تدعو للحرية والتفلت عن القيم والاعتقادات الدينية .. انطلاقاً من تسليط الضوء على مجتمع يغلب عليه الانحلال الخلقي .. ففي سنة واحد قد نشاهد الخمر في صور متعددة 44280 مرة في mbc2 .. والمراقص الليلية سترى 31320 مرة في نفس القناة .. وتأمل في بقية البنود ذات الصلة تجد أنها حرب على الدين ومظاهر التدين في المجتمع المسلم وبعد هذا الإجمال في الإجابة عن تساؤلات الدراسة .. سأتحدث عن ثلاث محاور هي
أولاً : عقائد فاسدة
تحتوي قنوات mbc محل الدراسة على عدد من الانحرافات العقيدة ومن أبرزها
تقديس الصليب واللجوء له في أحلك الظروف .. فذلك الجندي الذي يطلب منه التقدم في أرض المعركة وفي نقطة قتل فيها كثير من أصدقائه يقبل الصليب ثم ينجو من موت محقق .. إن المظاهر النصرانية واضحة في هذه القنوات من خلال إظهار كنائسهم وتوديعهم لموتاهم ومقابرهم التي ينتشر فيها الصليب ففي فيلم City hall يظهر العمدة وهو يقبل تابوت الصغير الذي قتل أثناء تبادل لإطلاق النار بين الجندي وأحد المجرمين .. ثم يفعل إشارة الصلاة النصرانية باسم الأب والابن وروح القدس
فالدعوة للنصرانية دعوة خفية تبثها هذه القنوات وهي أخطر من الفضائيات التنصيرية التي توجه خطابها بشكل مباشر ومن الأفكار التي شاهدتها في هذه القنوات الدعوة للكهانة والسحر ففي إعلان للمشاركة في فيلم Harry Potter هذا الفيلم يحتوي على دعوة صريحة للسحر والشعوذة وتعلمها ولننظر لنص الإعلان فائزان محظوظان يسافران ( للأردن ) يقيمان في فندق فاخر سيزوران موقع التصوير والالتقاء بأبطال الفيلم .. للاشتراك أرسل كلمة ( عرَّاف ) ثم تعلن أرقام لكثير من دول منها السعودية
ومن الأفكار التي بثتها هذه القنوات تعظيم الأصنام وعبادتها والعكوف عندها واعتقاد أنها هي التي تصرف الكون كما في فيلم The Ttiumph of love
بل نجد أن الدعوة لإنكار الخالق سبحانه وتعالى نلمسه في بعض الأفلام كفلم Quanfum Leap جاء في مقدمة الفلم قولهم : وتسير قوة مجهولة لتغير التاريخ نحو الأحسن ثانياً : أمركة المجتمع
1 - كل الأفلام التي تم رصدها هي أفلام أمريكية وتصور حال المجتمع الأمريكي وتحاول من خلال نشر هذه الأفلام نشر القيم والأخلاق الأمريكية كما أن تعظيمها للشرطي الأمريكي وقدرته الفائقة والخيالية على الإنجاز وتجاوز الأزمات والنجاح يسبب حالة من الهزيمة النفسية في نفوس المسلمين .. وهنا أتسأل هل أصبحت قنوات الـ MBC أداة إعلامية يحركها البنتاغون ؟!
2 - نلاحظ في النتائج تكرار العلم الأمريكي وكلمة أمريكا أو أحد مدنها وكلمة CIA والمباحث والشرطة الفيدرالية .. أقول هنا كلمة دون صور الجنود ورجال الأمن الأمريكي .. وهذا دليل واضح على تعظيم المؤسسات الأمنية الأمريكية وتضخيم دورها .. ولا أعلم لمصلحة من يتم هذا التعظيم ؟!
3 - ماذا لو افتتحت قناة إسلامية مخصصة لبث أفلام المعارك الإسلامية في القديم فهل يقال أنها مجرد أفلام تعبر عن واقع أم تضعها أمريكا على قائمة الإرهاب وأحد قنوات محور الشر؟! .. إن ما تقوم به قنوات الـ MBC من نشر القتل والرعب واستهانتها بروح الإنسان ليستحق من كل مسئول وولي أمر أن يقف معها وقفة صادقة .. فإذا أردت أن تحبب القتل لأبنائك وتجعلهم يستسيغونه ويستسهلونه فما عليك إلا أن تعرضهم لقنوات الـ MBC مدة أسبوع واحد ستلاحظ الروح العدوانية التي اكتسبوها من هذه الأفلام .. فمن الإرهابي هل هو المجتمع الأمريكي كما تصوره قنوات الـ MBC أم المجتمع المسلم ؟! .. ناهيك عن الرعب الذي ينتاب أطفالنا مشاهدة الأفلام المخيفة والمرعبة .. فأين مؤسسات حقوق الطفل عن هذه الوسيلة المدمرة ؟!
ثالثاً: نشر الفاحشة والشهوات رأينا تلك الأرقام المخيفة التي توصلت لها هذه الدراسة ولا أريد إعادتها هنا طلباً للاختصار .. إنما أريد أن أؤكد على أن هدف إثارة الشهوات الكامنة ونشر الفاحشة والدعوة الصريحة للزنا واضح في هذه القنوات وسأعرض بعض الأمثلة هن
ففي فيلم Jake inprogress حث على الزنا الصريح وإقامة العلاقات المحرمة حتى المرأة الحامل لكي يأتيها الطلق عليها أن تعاشر شخصاً غير زوجها .. إن تلك الصورة التي تجمع تلك المرأة الحامل مع ذلك الشاب الذي دعته .. وقد أقاما علاقة محرمة تثير الاشمئزاز وتدعو للفحش والعهر
وفي فيلم Popular شباب وفتيات يتنافسون على الصداقة والعلاقة المحرمة وفي فيلم Star Raving mad دعوة صريحة للفاحشة أيضاً .. تقول الفتاة في ملابسها الفاتنة لذلك الرجل قوي البنية : إذا سُمح لك بارتكاب خطيئة غير أخلاقية وغير حضارية .. وفي اليوم التالي لن يذكر أحد ذلك فماذا ستفعل ؟! .. كيف حال الشباب والفتيات وهم يشاهدون مثل هذه المواقف المثيرة لهم ؟!
وفي فيلم Clook stoppers نرى ذلك الشاب وهو يريد التعرف على فتاة جميلة أجنبية ولم يستطع الظفر بها .. وتم بينهما لقاء أولي وبعد وقت تكونت من خلاله صداقة بينهما حتى أنها رافقته في مطاراته ومواقفه الصعبة
والفكرة الأساسية لفيلم The Ttiumph of love مبنية على أن الحب يغير كل شيء .. فنشاهد الأميرة الجميلة التي أخذت تبحث عن حبيبها حتى تقمصت شخصية شاب وسيم فأغرت الكاهنة بالحب .. ثم توجهت إلى الكاهن فتعرف على شخصيتها الحقيقية حتى أغرته بالحب إلى أن وصلت إلى حبيبها الذي تبحث عنه وقالت الفتاة حينها : يستطيع الحب أن يشوش عقل أي كان حتى عقل عقلاني شهير
وفي نظرة فاحصة للإعلانات التجارية نجد أنها تسوق المواد الإعلانية عن طريق إثارة شهوات الجمهور .. وإلا ما شأن مشروب البيبسي بذلك الرقص المثير من الشباب والفتيات وما الرابط بين إعلان لمكيف وبين عارضة الأزياء .. بل رأينا في إعلان سفن أب امرأة شبه عارية مضطجعة على ماء الشلال الراكد وبجوارها سرير آخر يأتي شخصية سفن أب ويضطجع بجوارها وهي تنظر إليه بإعجاب وميل وكأنها تنظر لشاب في غاية الجمال إننا أمام حملة فكرية شهوانية مدمرة تحتاج منا إلى وعي وعمل جاد للوقوف أمام هذا السيل الجارف من الإفساد في الأرض
وفي ختام هذه الدراسة أدعو القائمين على قنوات الـ mbc أن يتقوا الله في المسلمين وفي عقيدتهم وأخلاقهم .. فيكفي كل ما مضى من الإضلال عن منهج الله تعالى .. وإن في العمر لمتسع للتوبة والإنابة وتصحيح الخطأ الذي لن ينساه التاريخ وستحفظ الأجيال القادمة أن هذه القنوات حربة المستعمر الإعلامية التي طعنت الأمة من الخلف .. يقول الله تعالى ( وَمَن يَعمَلْ سُوءًا أَوْ يَظلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُراً رَّحِيماً ) النساء: 110 وأدعو أيضاً دعاتنا ومشايخنا الذين اجتهدوا في الدخول في قنوات الـ mbc أن يدرسوا هذه القنوات بعناية وأن يبادروا في مشروع لإصلاح الخطر العميق لهذه القنوات .. وأدعو الله تعالى أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر وألا يكون في ظهورهم مساهمة في استقطاب جمهور جديد لها .. ولا أن تحصل على الشرعية من خلال ظهورهم
ثم أدعو الحكومات الإسلامية أن تقف أمام هذا الانحراف الخطير الذي تخطط له وتنفذه هذه القنوات .. فهي قد تجاوزت حكوماتها ووضعت يدها مع المحتل ودعت صراحة إلى أمركة المجتمعات المسلمة، ولدى الحكومات من الوسائل ما يمكنها من إيقاف أو تخفيف هذا الخطر الكبير الناجم عن قنوات الـ MBC وغيرها ممن سار على نهجها أو قريب منه
ولمسنا من خلال الدراسة تعليم هذه القنوات للشباب على الإخلال بالأمن ومواجهة رجال الشرطة .. وتهوين القتل والخطف والسرقة والاعتداء على الآخرين فإننا أمام وسيلة مدمرة ومخلة لأمن البلاد المستقرة فعلى المعنيين بالأمن أن يلتفتوا بجدية لها ويدرسوا خطورتها على أمن المجتمعات المسلمة
أتمنى أن تكون هذه الدراسة قد أعطت صورة حقيقية لواقع قنوات MBC بعيداً عن الظنون والتوقعات ..

وأسأل المولى القدير أن يبارك في أثرها وأن يجعلها خالصة لوجهة الكريم
ختاماً أسأل الله للباحث الأجر والثواب

منقول

الخميس، ديسمبر 13، 2012

ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية (1)

(العقل والشهوة)

أ.عادل عبد الوهاب
المخلوقات التي خلَقها الله تعالى من التنوُّع والكثرة، بحيث لا يُحصيها حساب، ولا يَجمعها كتاب؛ كما قال الله - عز وجل - عن نفسه: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [الحجر: 86]، و(الخلاَّق) صيغة مبالغة تُفيد كثرة الخلق، فهو - عز وجل - يَخلق ما يشاء متى شاء وكيف شاء، ومع ذلك فهو (العليم) بخلْقه، لا تَخفى عليه خافية، والعليم بما تفرَّق من أبدانهم، وتحلَّل من أجسادهم بعد موتهم، وهذا فيه تقريرٌ للمعاد.

ومخلوقات الله - عز وجل - منها المرئي، ومنها الخفي؛ لذلك أقسم الله بها، فقال: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الحاقة: 38، 39]، ومنها: المعلوم، ومنها: المجهول؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8].

وكل مخلوقات ثنائية العدد، فإن لها أنواعًا أربعة، لا خامسَ لها من حيث القسمةُ المنطقية، وسأتناول في هذه السلسلة مجموعة من هذه الثنائيات بحول الله وقوَّته.

فمن حيث العقل والشهوة، تنوَّع خلْق الله تعالى إلى أنواع أربعة:
النوع الأول: له عقل وليس له شهوة، وهم الملائكة، فهي مخلوقات كريمة عاقلة مُدركة، لكنها لا تأكل ولا تَشرب، ولا تلهو ولا تلعب، ولا تتكاثر ولا تتناسَل، ولا تنام، وهم مفطورون على العبادة، خلَقهم الله من النور، ولهم وظائف مختلفة في هذا العالم، ومن الآيات المتكلمة عنهم قوله تعالى:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 26 - 28].

النوع الثاني: له شهوة وليس له عقل، وهي الدوابُّ والأنعام التي تأكل وتَشرب، وتلهو وتلعب، وتتكاثَر وتتناسل، ولكن ليس لها عقول مُدركة تَحجزها عن القبائح، أو تدعوها إلى الفضائل، وإنما لها غرائزُ تحرِّكها لجلْب ما ينفعها، ودفْع ما يضرها؛ لذلك فهي غير مُكلَّفة، ولا تَدخل جنة ولا نارًا، بل يقول لها الله تعالى يوم القيامة: "كوني ترابًا"، وعندها يقول الكافر: ﴿ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]، ويَلحق بها النباتات التي تتغذَّى وتَشرب وتتكاثر، وكلٌّ من الحيوانات والنباتات لها من الأنواع والفصائل، والوظائف والطبائع، ما يَبْهَر العقول، ويُحيِّر الألباب، وفي كل يوم يتمُّ اكتشاف المزيد منها، وهي مخلوقة للإنسان؛ ليستعين بها على طاعة الله، ويُسخِّرَها لمصالحه في هذه الحياة، ومن الآيات الموضِّحة لجانب من حكمة خَلْقها قوله تعالى: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8].

وهي مع ذلك تصلي لله وتُسبِّحه وتعبده؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [النور: 41]، وكما قال - جل في علاه -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18].

النوع الثالث: ليس له عقل ولا شهوة، وهي الجمادات، ومنها: الأرض والسماء، والكواكب والنجوم، والبحار والأنهار، وهي كذلك مسخَّرة للإنسان؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].

وهي أيضًا تعبد الله وتُسبِّحه؛ كما قال تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، وأخبر الله تعالى بسجودها له، فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18].

ونسَب الله لها الخشوع، فقال: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

وهي تَغضب على أعداء الله تعالى، حتى تكاد تَنشَق وتَنفطر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 88 - 92].

وهي تبكي لفِراق الطائعين، ولا تبكي لفراق العاصين؛ كما قال - جل وعلا - عن فرعون وقومه: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ [الدخان: 25 - 29].

وهي تدعو لأهل الخير، وتصلي عليهم؛ كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أبي الدرداء، قال: سمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنه ليَستغفر للعالِم مَن في السموات ومَن في الأرض، حتى الحِيتان في البحر))؛ رواه ابن ماجه وغيره، وعن أبي أُمامة الباهلي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض، حتى النملة في جُحرها - يُصلون على معلِّم الخير))؛ رواه الترمذي وغيره.

وهي أُمم وأجناس وفصائل مثل البشر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38].

النوع الرابع: له عقل وشهوة، وهم الإنس والجن الذين قال الله عنهم: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهم المخاطبون بقوله: ﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ ﴾ [الرحمن: 31]، وسُمُّوا بالثَّقَلين؛ لأن لهما ثِقَلٌ ووزن أحياءً وأمواتًا، أو لأنهما مُثقلان بالذنوب، فقد ركَّب الله فيهم العقل، وامتَحنهم بالشهوات؛ كما قال - عز وجل -: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

العقل يدعو إلى الرشاد والفضائل، وهو القائد والمتحكم في البدن، عن طريق الفكر والنظر، واتخاذ القرارات، وتوجيه الأعضاء والجوارح، ومن القواعد المهمة في السيطرة عليه: مراقبة الخواطر والهواجس، وتوجيهها إلى المسار الصحيح؛ كما قال الحكماء في قواعد البرمجة الذاتية: "راقِب أفكارك؛ لأنها ستُصبح أفعالاً، وراقِب أفعالك؛ لأنها ستُصبح عادات، وراقب عاداتك؛ لأنها ستُصبح طباعًا، وراقِب طباعك؛ لأنها ستُحدِّد مصيرك".

والشهوات تجر إلى الغي والرذائل، وكل شهوة لها طريق محرَّم لإشباعها، وآخر مُباح؛ مثل: شهوة البطن والفرْج، والنظر والسمع واللسان، وغيرها، فمن سلَك الطريق المحرَّم أثِم، ومَن سلَك الطريق المباح، سلِم.

والشهوات المباحة هي أساس الاستقرار واستمرار الحياة؛ مثل: شهوة الزواج، والأكل والشرب من الطيِّبات، وأما الشهوات المحرَّمة، فهي سبب الاضطراب والخراب؛ مثل: شهوة الزنا، وشرب المُسكرات، وأكْل الربا، ونحوها.

والصراع مستمر بين العقول والشهوات، فمَن حكَّم العقل، كان شبيهًا بالملائكة، ومَن حكَّم الشهوة، كان شبيهًا بالدوابِّ والأنعام، أو دونها.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: كما قال أبو بكر عبدالعزيز من أصحابنا وغيره: خُلِقَ للملائكة عقولٌ بلا شهوة، وخُلِق للبهائم شهوة بلا عقل، وخُلِق للإنسان عقل وشهوة، فمَن غلَب عقلُه شهوتَه، فهو خيرٌ من الملائكة، ومَن غلَبت شهوتُه عقلَه، فالبهائم خيرٌ منه"؛ مجموع الفتاوى، (15 / 428 - 429).

ونواصل حديثنا في ثنائية أخرى بمشيئة الله، وهو الموفِّق.

الاثنين، ديسمبر 10، 2012

فن التعامل مع الهموم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما عودتنا الحياة أن تتعاهدنا باللين والدلال وما كان من أخلاقها العطف والرقة ومع لحظات الضيق وساعات الألم وأوقات الانكسار التي لا تفتأ الحياة تهديها لنا يتباين البشر في طباعهم وأساليبهم لمواجهة هذه المواقف فتجد بعضهم يدمن الشكوى ويمتهن اللوم ويتقمص دور الضحية عند القاصي والداني ويتسول العطف من الجميع, فبمجرد ما يُسأل عن حاله تجده ينظم القصائد الطوال في رثاء نفسه (جاوز فيها رثاء أبي ذؤيب لأولاده والخنساء لأخيها)، كثير التسخط دائم العويل يستجلب لك كل أوجاع العالم ويصب عليك كميات لاحصر لها من الأسى ولا تجده إلا متوجعا ناقما على الدنيا وكيف أنها هدّت أركانه وقصمت ظهره وعبثت به كما يعبث الريح السموم بالوردة النضرة! وحاله الآن كنجم هوى وقصر خوى, ينشر الكآبة أينما حل، قد رسم للحياة (ماضيا ومستقبلا وحاضرا) أبشع اللوحات ونسي أن شكوى واحدة ستتبعها ألف شكوى, وخوفاً سيطلق ألف خوف معه، والمفارقة العجيبة أن هولاء بقدر نجاحهم في كسب عطف الآخرين بقدر ما يفقدون شيئا ليس بالقليل من احترامهم وتقديرهم! والنتيجة المتوقعة هي انفضاض الناس من حولهم وزهدهم فيهم, لأن الجلوس معهم استنزاف للطاقة وهدر للوقت ومجلبة للكدر والضيق ناهيك عما يقومون به من فضح لأنفسهم وتشهير بزلاتهم وهتك لأسرارهم.


وهناك نمط آخر قد كلف نفسه ما لا تطيق، حمل همه وحده وبقي حبيسا لغوائل الأيام وعاديات الليالي لا صديقا يُشتكى له ولا صدرا حنونا يختبئ فيه ولا عقلا حكيما ينير له ما أظلم في طريقه، قد كظم مشاعره ليحمل ثقله بنفسه حتى لا يكدر صفاء من حوله وعندها ستتراكم الهموم وتتكثف الأحزان فتضحى كالرواسي الجاثمة على صدره!

وفريق ثالث يتعامل مع الأزمات بحنكة وهدوء يمارس تقنية (الإفضاء النفسي) أو (تنفيس العواطف) عند الحاجة وعند تجاوز الحزام الطبيين وهي كما قرر علماء النفس وسيلة مثلى للتخلص من الكثير من الضغوط النفسية، وقد أطلق الدكتور كارل مننجر أحد البارزين في علم النفس عليها مصطلح (انطقها وتخلص منها) (Talk it out) وجعلها أحد أهم أدوات العلاج النفسي وهي طريقة فعالة للسيطرة على القلق والتوقف عن أكل النفس وذلك بالجهر بالأفكار وتنفيس العواطف والتخلص منها بطردها خارج الجهاز العصبي قبل أن يفور بخارها من الأذنين وقبل الوصول للنقطة الحرجة التي سننفجر معها بمئات الأشكال المدمرة والكارثية، وللإفضاء النفسي صور متعددة منها:

1 - اللجوء للبكاء عندما يعصف الحزن.. فالبكاء يخفف الضغط النفسي الكبير وكذلك يقوّى جهاز المناعة، ويساعد الجسم على مقاومة الأمراض المتعلقة بالضغوط النفسية...

2 - ومن أروع طرق الفضفضة اللجوء إلى إنسان ثقة ذي حكمة ونظر وكاتم للسر تبث له الآلام والآمال والاعترافات والتطلعات والأحلام طلبا وراء الإحساس بالمشاركة الوجدانية التي يشير لها الشعار المتحضر (قلبي معك) تيمناً بقول الشاعر:

ولابد من شكوى إلى ذي مروءة
يسليك أو يواسيك أو يتوجع

ولأن كل منا يرى الموضوع من زاوية واحدة تصبح إحدى أهم فوائد الفضفضة للثقات هي مشاركتهم لنا برؤاهم المختلفة وآرائهم المتعددة وقد فعل هذا قدوتنا وقرة أعيننا عندما اشتد عليه الأمر في الغار فأباح بسره وأفضى بهمه لأمنا خديجة اللهم صلِّ وسلم عليه وكذلك فعل مع أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية ويذكر عن القائد العجيب نابليون بونابرت الرجل والذي ساد أوربا وقد كان يلهو بتيجانها كما يلهو لاعب الشطرنج بالقطع قال ذات يوم عن نفسه: (إنه أضعف من أن يقدر على كتمان متاعبه وهمومه وأن يحتفظ بها وحده) وعليك الانتباه لقضية هامة وهي أنك عندما تشرع في إفراغ حمولة الألم عليك أن تتأكد من إفراغها كاملة والتخلص منها دفعة واحدة ثم بعد ذلك انس الأمر تماما!..

3 - ومن الوسائل الجيدة للتنفيس عن المشاعر كما أكدت بعض الدراسات النفسية التعبير عن المشاعر السلبية بالكتابة وهو يخفف عنا الأحمال ويزيح الكثير من الهموم، ويساعد على اندمال الجراحات النفسية ويدفع شرور مرض الاكتئاب، ويجعلنا في حالة نفسية جيدة تمكن من التعامل مع مشكلاتنا بشكل أفضل..

4 - ومن أروع الطرق وأعظمها أثرا وأضمنها نتيجة وأيسرها ممارسة تقنية (الإفضاء النفسي) مع العزيز العظيم فقد جاء في الحديث أن الحبيب اللهم صلِّ وسلم عليه كان إذا حزبه أمر فزع للصلاة وفيها ينطرح تحت عتبة الرحيم، يجأر إليه ويغبر جبهته على بابه شاكيا إليه الهم وطالبا العون وبعده سيذهب الوجوم ويتشرد الأسف وتسكن اللوعة.

ومضة قلم
إذا لم تجد من يضيء لك قنديلاً.. فلا تبحث عن آخر أطفأه!


د خالد المنيف

السبت، ديسمبر 01، 2012

الاغاني واثرها على الاعصاب


يقول الدكتور "لوتر" :إن مفعول الغناء والموسيقى في تخدير الأعصاب أقوى من مفعول المخدرات.

الدكتور "ولف آدلر" الاستاذ بجامعة كولومبيا يقول:


"إن أحلى وأجمل الأنغام والألحان الموسيقية تعكس آثاراً سيئة على أعصاب الانسان, وعلى ضغط دمه, وإذا كان ذلك في الصيف كان الاثر التخريبي أكثر.

"إن الموسيقى تتعب وتجهد أعصاب الانسان على أثر تكهربها بها, وعلاوة على ذلك فإن الارتعاش الصوتي في الموسيقى يولد في جسم الانسان عرقاً كثيراً – خارجاً عن المتعارف – ومن الممكن ان يكون هذا العرق الخارج من الحد مبدءاً لأمراض اخرى.


الى غيرها من الإعترافات والتصريحات التي أدلى بها الأخصائيون والأطباء, بشأن الغناء وتأثيره على الأعصاب, وإتعابه للنفس والروح, وغير ذلك.


وإذا استمر الانسان في هذه التجربة المقيتة, وواصل استماعه الى الموسيقى والغناء, هل تعرف اين يؤول أمره ومصيره؟


...الى مستشفى الامراض العقلية.


وابتلاع الاقراص المخدرة للأعصاب.


وتحطيم الجسم.


أما البرفسور "هنري اوكدن" الاستاذ بجامعة "لويزيانا" والمتخصص في علم النفس, والذي قضى 25 سنة في دراسته, كتب مقالاً في مجلة "نيوزويك" قال فيه :"إن "آدنولد" الدكتور في مستشفى نيويورك قام بواسطة الأجهزة الالكترونية – الخاصة بتعيين أمواج المخ والدماغ – بإجراء بعض التجارب على الالوف من المرضى الذين يشكون من الأتعاب الروحية والعصبية والصداع, وبعد ذلك ثبت لديه أن من أهم عوامل ضعف الأعصاب والأتعاب النفسية الروحية والصداع هو :الاستماع الى الموسيقى والغناء ,وخصوصاً اذا كان الاستماع بتوجه وإمعان.


فسبحان الله العظيم ماحرم شيء الا لحكمة ..... منقول

الأربعاء، نوفمبر 28، 2012

كسوف الشمس اية الله في الكون القريب

كسوف الشمس آية الله في الكون القريب


الشمس في القرآن الكريم

الشمس التي خلقها الله سبحانه وتعالى آيةً عظيمةً في هذا الكون الذي يحيط بنا ورد ذكرها في القرآن الكريم لأغراضٍ شتى؛ فقد أقسم الله تعالى بها:
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ (الشمس:1)

ووردت على لسان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وهو يتحدى النمرود:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258)

وورد ذكرها على لسانه أيضاً صلى الله عليه وسلم وهو يتفكر في التوحيد:
﴿فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:78)

وجعلها الله حُسْباناً:
﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام:96)
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5)

و هي آية مسخرة بأمر الله:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54)
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (الرعد:2)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (إبراهيم:33)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (النحل:12)
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (العنكبوت:61)
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:29)
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ (فاطر:13)

وجعلها الله ضياءً وسراجاً:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس:5)
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ (نوح:16)

ورآها نبي الله يوسف عليه السلام في الرؤيا:
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف:4)

وجعلها الله لتوقيت الصلاة للناس، ولتسبيح رب العالمين:
﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ (الإسراء:78)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ (طه:130)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ (قّ:39)

وكان لها دور هام في حفظ أهل الكهف بإذن ربها:
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾ (الكهف:17)

وكانت علامةً على المدى الذي بلغه ذو القرنين في فتوحاته:
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ (الكهف:86)
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً﴾ (الكهف:90)

وهي تسبح في فلك خاص بها لا ينبغي لها أن تجاوزه:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الانبياء:33)
﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يّـس:40)

وهي تسجد لله تعالى خاضعةً راضية:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (الحج:18)
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت:37)

وقد جعلها الله تعالى دليلاً على الظل:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ (الفرقان:45)

وكان بعض الأقوام يعبدونها جهلاً وكفراً:
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل:24)

وهي - ككل المخلوقات - لها مستقر تسعى إليه:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (يّس:38)
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (الزمر:5)

ولها أحوال عجيبة في يوم القيامة:
﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (القيامة:9)
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ (التكوير:1)

لكنها لا تزعج أهل الجنة بِحَرِّها، فهي غير موجودة:
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ (الإنسان:13)

الشمس بين الأساطير والعلم

الشمس، ذلك الجرم الكوني الذي ما تعلقت حياة البشر بجرم مثله، إنها نجم عظيم على مستوى قياساتنا البشرية، لكنها في رحاب الكون لا تشكل أكثر من ذرة غبار أو فقاعة مضيئة وسط الفراغات الهائلة التي تحوي مليارات المجرات في تركيب بديع أبدعه ربنا خالق كل شيء جل جلاله.

الشمس هي عميد أسرتنا الكوكبية، تشكل 99% من مادة المجموعة الشمسية، ويدور أتباعها حولها في انتظام عجيب، تسعة كواكب وعدد كبير من الأقمار والمذنبات والكويكبات والغبار الكوني، وتصنع هذه التوابع حولها مداراتٍ إهليلجية كل واحد منها على شكل قطع ناقص، وتقع الشمس في أحد محرقي القطع الناقص الوهمي الذي تشكله الأرض في دورتها حول الشمس، وكذلك الأمر في مدارات بقية الكواكب والتوابع، ويتطابق أحد المحارق دائماً في موقع الشمس لكل مدارات الكواكب والمذنبات وبقية الأجرام التابعة للشمس، إذاً هناك دائماً نقطة حضيض لكل جرم كوني تابع للشمس - أقرب نقطة في المدار من الشمس - ونقطة أوج لكل جرم كوني تابع للشمس - أبعد نقطة في المدار عن الشمس.

تبدأ قصة الشمس مع البشر منذ نشوء البشرية على هذه البسيطة، إنها قصة موغلة في القدم، إحدى بدايات هذه القصة تقول: إن حكماء الهنود فكروا في مشكل عظيم الحل؛ وهو أن الشمس تشغل أحد محرقي القطع الناقص للمدار فما الذي يشغل المحرق الآخر؟ ووجدوا الحل فيما يلي؛ بما أن شمسنا موجودة في أحد هذين المحرقين وهي أصل الحرارة والحياة لعالمنا، فقد تخيلوا أن ثمة شمساً أخرى في المحرق الآخر، وهي شمس غير منظورة، وهي أصل قوى الصداقة والحب في عالمنا كله.

أما عند هنود البيرو فتقول الأسطورة: إن أميرات مدينة "أينكا" الصغيرات أو بنات الشمس كُنَّ يركعن قرب الخيام أمام القناديل الخزفية التي يجب ألا تنطفئ أبداً، إنهن يحرسن هذا النور بانتظار النهار.

وتتابع الأسطورة أن " كندور الكبير" ذلك الطائر المعتبر سفيراً للسماء كان ينزل كل صباح ويأخذ بمنقاره أحد هذه القناديل ويطير بها كي يذهب خلف الأرض حيث تختبئ الشمس لكي يعطيها نورها من جديد.

أما التفكير البسيط لدى زنوج أفريقيا فقد أوحى لهم بأن ثمة موكباً من فرق الفيلة بقيادة معبودتهم "عزيزة" AZIZA ينزل حتى فرجة الغابة السرية حيث غابت الشمس مساءً، وتأخذ هذه الفيلة تدفع بأنيابها الكرة النارية العظيمة التي تحركها "عزيزة"، تدفعها نحو حافة التلال وتدحرجها وتعيدها مجدداً إلى السماء.

إن شمسنا هي أقرب النجوم إلينا وهي نجم عادي جداً، ندور حولها بسرعة تقرب من سبعين ألف ميل في الساعة، ولو تغيرت الكمية الإجمالية للإشعاع الشمسي بقدر قليل جداً فإن الحياة البشرية كما نعرفها ستصبح مستحيلة؛ سنتجمد  أو نحترق، لكن رحمة الله جعلت الشمس نجماً مستقراً للغاية، وليست نجماً نابضاً أو متفجراً.

يبلغ قطر الشمس الاستوائي (1392000) كم تقريباً، وهو عظيم بالمقارنة مع قطر الأرض الاستوائي الذي يبلغ (12756) كم، أو قطر الأرض القطبي الذي يبلغ (12714) كم، وتبلغ درجة الحرارة على سطح الشمس (5500) درجة مئوية، بينما تبلغ الحرارة في جوف الشمس (15000000) درجة مئوية، ويبلغ حجم الشمس (1303600) مرة من حجم الأرض، وتبلغ كتلتها (332946) مرة كتلة الأرض، إذاً الشمس أقل كثافة من الأرض إذ تبلغ كثافتها (1.409) مرة من كثافة الماء بينما تبلغ كثافة الأرض (5.517) مرة من كثافة الماء.

الشمس جسم غازي، والغاز قرب المركز مضغوط جداً وكثيف جداً بينما تكون المناطق الخارجية خفيفة جداً ومنخفضة الكثافة، ولا تدور الشمس كما يدور أي جسم صلب: المناطق المختلفة تدور بسرعات مختلفة؛ فالمواد القريبة من خط الاستواء تكمل دورتها في حوالي (25) يوماً أرضياً، بينما تستغرق المواد عند خط العرض (40) شمال وجنوب خط الاستواء (27) يوماً ونصف اليوم لتكمل دورتها، في حين تبلغ هذه الدورة عند القطبين (34) يوماً أرضياً، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في حركات البقع المظلمة على السطح.

يعرف سطح الشمس كما نراه بكرة الضوء (الفوتوسفير) وعليه تظهر البقع الشمسية، وكان غاليليو غاليلي أول من شاهد البقع الشمسية بالمنظار، ومن المعروف لدينا الآن أن الصينيين قد عرفوا بوجودها منذ وقت طويل، إذ أن بعض هذه البقع كبيرة الحجم بما يسمح برؤيتها بالعين المجردة إذا كانت الشمس عاتمة - بسبب اغبرار الأفق مثلاً - وهذه البقع (و تدعى الكُلف الشمسية) غالباً ما تكون معقدة البنية، فهي ذات منطقة مركزية مظلمة تسمى الظل محاطة بمنطقة خارجية أقل ظلمةً تسمى شبه الظل، وتظهر البقع على شكل صحون، إنها في الحقيقة مناطق أبرد من السطح المحيط بها إذ تبلغ درجة حرارتها (4500) درجة مئوية، فهي تظهر مظلمةً مقارنة بالسطح المضيء، وترتبط بالكلف الشمسية حقول مغناطيسية قوية، ويتغير عدد هذه البقع الشمسية دورياً على مدى ما يسمى بالدور البقعي، والحد الأدنى لعدد مجموعات هذه البقع (50) مجموعة سنوياً، بينما يتجاوز الحد الأقصى (500) مجموعة، إن هذه الدورة تغطي فترة زمنية تعادل (11) سنة، كما أن هناك فترات تغير أطول، وثمة بعض البقع الكبيرة تظهر في أي وقت خلال الدورة، وقد شوهدت مجموعة ضخمة في عام (1947) غطت مساحة قدرها (2000) ميل مربع .

غالباً ما تتعلق بالبقع الشمسية بقع مضيئة تسمى الصياخد (السباخ)، وتظهر كأنها في مستويات أعلى، وهي تشاهد عادةً بعد اختفاء الكلف وتستمر مدة من الزمن.

من الظواهر الشمسية الأخرى الملفتة للنظر ما يدعى بالشواظ الشمسية، وهي عبارة عن بقع لامعة تبدو منطلقة بعيداً عن سطح الشمس كأنها قطع من اللهب تتجه نحو الغلاف الخارجي للشمس والذي يدعى الإكليل الشمسي.

أحياناً يبلغ ارتفاع ذلك اللهب مئات الآلاف من الأميال، وهذه الشواظات تتكون من الغازات المتكاثفة خارج الإكليل بالإضافة للمواد المقذوفة من السطح.

إن دراسة الظواهر الشمسية تحتاج إلى معدات متطورة، فهناك المراصد الشمسية المتخصصة كالمرصد الموجود في (مونت ويلسون) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومرصد (أرشتري) في إيطاليا، وهي مقرابات برجية تستعمل من أجل إظهار صورة مستقرة للشمس، ونظراً لأن الفلكيين الشمسيين يقومون بمشاهداتهم خلال النهار فإن عليهم تحمل الحرارة العالية , وللتغلب على هذه المشكلة يتم عكس صورة الشمس عبر البرج إلى غرفة تحت أرضية ثابتة الحرارة، حيث يتم إسقاط الصورة على شاشة أو تحلل بواسطة مطياف ومعدات أخرى مثل مرسمة الطيف الشمسي؛ وهي أداة ذات فائدة عظيمة تمكن المشاهد من النظر إلى الشمس في طول موجي خاص، وهناك بعض الأجهزة الأخرى مثل مرشح ليوت الأحادي اللون، ومرسمة الإكليل التي تتيح دراسة الإكليل الشمسي دون انتظار كسوف الشمس الكامل.

تتكون الشمس مبدئياً من النواة وعدد من الطبقات الرئيسية، في النواة تتولد كل الحرارة الهائلة التي تطلقها الشمس، تليها طبقة عريضة تدعى الطبقة التصعيدية وظيفتها نقل الحرارة إلى السطح على شكل إشعاعات، أما السطح الذي نراه بالعين المجردة فهو الكرة الضوئية، وهناك طبقة أخرى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة إلا عند حدوث كسوف كامل - حيث تظهر وردية اللون - ولا يزيد سمكها على (3000) ميل.

ووراء الكرة اللونية يوجد الإكليل وهو غير منظور إلا خلال الكسوف الكامل حيث يحيط القرص المظلم للقمر بهالة تتغير حجماً وبنيةً خلال دورة الـ (11) سنة للبقع الشمسية، إن الغاز في هذه المنطقة قليل الكثافة فعلاً حيث تتصادم الذرات بسرعات تنتج عنها درجات حرارة تقارب المليون درجة، ولو كانت كل الشمس تشع حرارتها بهذا المعدل لأصبحت الحرارة غير محتملة على الأرض.

تبين بالتحليل الطيفي أن الغاز الرئيسي في الشمس هو الهيدروجين حيث يشكل أكثر من (80%) من كتلة الشمس، يأتي بعده الهليوم وهو أخف الغازات بعد الهيدروجين، ومن الطريف أن نذكر أن الهليوم قد اكتشف لأول مرة في الطيف الشمسي قبل اكتشافه على الأرض، حدث ذلك عام (1868) حيث اكتشف الفلكي (نورمان لوكلير) خطاً (لفراونهوفر) - الطيف الإصداري للعناصر- لم يستطع إرجاعه لأي عنصر على سطح الأرض، وافترض أنه يعود لعنصر غير معروف أطلق عليه اسم (هليوم)، وهي كلمة إغريقية تعني الشمس، ولم يكتشف هذا العنصر على الأرض إلا بعد مرور ربع قرن، وبعد ذلك اكتشفت عناصر كثيرة في الطيف الشمسي مثل الكربون والآزوت والأوكسجين والمعدنين المتبخرين: المغنيزيوم والحديد وغيرها.

تضيء الشمس منذ آلاف الملايين من السنين، وكما تقول المعطيات العلمية فإن الشمس ستظل تفعل ذلك آلاف الملايين الأخرى من السنين إن شاء الله، ومبدأ إصدار الطاقة في الشمس هو مبدأ الاندماج النووي، حيث تندمج ذرات الهيدروجين في مركز الشمس عند درجات حرارة تتجاوز (15000000) درجة مئوية لتكون الهليوم مع انطلاق كمية كبيرة من الطاقة، إن القنبلة الهيدروجينية مؤسسة على هذا المبدأ.

يتم الاندماج في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تندمج نواتا ذرتين من الهيدروجين وهو أمر يحدث كل سبعة  آلاف مليون سنة حسب قوانين الاحتمالات الرياضية، وبتعبيرٍ آخر يصطدم بروتون مع بروتون آخر ويكونا الدوتريوم -نواة هيدروجين ثقيل- ونيوترينو ينطلق في الفضاء مع انطلاق جسيم يدعى البوزيترون، وهو شبيه بالإلكترون لكنه ذو شحنة موجبة، لا يلبث أن يقضي على إلكترون تائه.

وتحدث المرحلة الثانية بعد ثوانٍ قليلة، وفيها يندمج الدوتريوم مع نواة هيدروجين أخرى (بروتون آخر) ليتكون نظير للهليوم هو الهليوم3 وتنطلق كمية من الطاقة بشكل إشعاعات غاما ذات الطول الموجي القصير.

أخيراً - وذلك بعد أربعمائة ألفِ سنة - تندمج نظيرتان من هليوم3 لتعطيا نواة ذرة هليوم4 خاملة وعادية، مع انطلاق بروتونين سيشاركان في تكرار الأسلوب السابق بشكل متسلسل، ويعرف هذا الأسلوب باسم التفاعل: (بروتون - بروتون).

بعض النجوم لا تعمل بهذه الآلية لإنتاج الطاقة بل تعمل بنمط التفاعل كربون∞نيتروجين، وذلك خاص بالنجوم ذات الحرارة الداخلية التي تفوق الثلاثين مليون درجة مئوية.

لكي تكتمل دورة هذا التفاعل لا بد لها من سبعة ملايين سنة بالمقارنة بسبعة آلاف مليون سنة لدورة بروتون - بروتون.

من المعروف أن هذا النمط من إنتاج الطاقة يلزمه مليونان ونصف المليون من السنوات حتى يبدأ تفاعله حيث يصدم بروتون من البروتونات نواة الكربون12 التي تقوم بامتصاص هذا البروتون وتحوله إلى نواة نيتروجين13 وتبث طاقة على شكل أشعة غاما، ونيتروجين13غير مستقر فهو يتحول بسرعة إلى كربون13 وينتج عنه نيوترينو واحد ينطلق في الفضاء، وبوزيترون واحد يقابل في النهاية إلكتروناً تائهاً فيفني أحدهما الآخر على الفور، وخلال الدقائق العشر التالية يصدم بروتوناً من البروتونات الكربون13 الجديد ويحوله إلى نتروجين14 ويطلق أشعة غاما، وبعد أربعة ملايين سنة يصدم بروتون آخر النيتروجين14 ويحوله إلى أوكسجين1 ويطلق أشعة غاما، ويتحول الأكسجين15 الغير مستقر إلى نتروجين15 في خلال دقائق، فينطلق عنه نيوترينو واحد يضيع في الفضاء، وبوزيترون واحد يلتقي بإلكترون تائه فيفني أحدهما الآخر، وبعد حوالي عشرين سنة يصدم أحد البروتونات النتروجين15 فيشطره إلى نواة واحدة من الهليوم ونواة واحدة من الكربون12، وتترك هذه الأخيرة حرة لتبدأ الدورة من جديد.

تنبعث من الشمس إشعاعات بمختلف الأطوال الموجية بالإضافة للضوء المنظور، فهناك الأشعة السينية (X) القاسية التي يمكن رصدها بواسطة الصواريخ، وهناك الأشعة الراديوية التي يمكن دراستها من سطح الأرض.

يصطلح على تسمية الكمية الإجمالية للأشعة الواصلة إلى الأرض بالثابت الشمسي، ووجد أنه يساوي (1.95) حريرة / دقيقة / سنتيمتر مربع - أي أن كمية الحرارة في الدقيقة تكفي لتسخين (1) غرام من الماء بمقدار (1.95) درجة مئوية - ويبقى هذا المقدار ثابتاً مما يجعل الحياة ممكنة على الأرض.

يشع سطح الشمس طاقة قدرها (1500) حريرة من كل سنتيمتر مربع، ويصل ضغط الغازات في جوف الشمس إلى (200) مليار طن / سم2، وقد عبر الفلكي البريطاني (جيمس جينز) عن مقدار الطاقة في جوف الشمس بهذا المثال: لو أخذنا قطعة من مركز الشمس بحجم رأس الدبوس فإن هذه القطعة تكون قادرة على قتل إنسان يبعد عنها بمقدار (150) كم على الأرض.

يمكننا أن نتبين مقدار ضخامة الشمس إذا علمنا أنها تحول في كل ثانية (4.5) مليون طن من المادة إلى طاقة تصدرها إلى الفضاء المحيط بها، وهكذا فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في ثانية واحدة يزيد على مجموع الطاقة التي استهلكها الإنسان منذ فجر التاريخ حتى الآن، ورغم ذلك فإن مركز الشمس يطبق عليه الظلام الدامس لأن الشمس تصدر طاقتها محمولة على إشعاعات غير مرئية مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، ومن رأفة الله بنا أن الشمس تمنع هذه الإشعاعات من الوصول إلينا عن طريق تخميدها بطبقات الشمس فوق النواة، ويبلغ طول طريقها إلى السطح (600000) كم، لكن الطاقة تستغرق (20000) سنة حتى تقطع هذه المسافة، بينما لا يستغرق الضوء خلال رحلته إلينا سوى ثماني دقائق بدءاً من سطح الشمس، فما نراه من طاقة الشمس ولد أثناء العصر الحجري للأرض.

تطلق الشمس سيولاً من الجسيمات الذرية الدقيقة كالإلكترونات والنترونات والبروتونات بشكل ريح تدعى الريح الشمسية، وهي المسؤولة عن تشكيل أذيال المذنبات وتكوين الشفق القطبي، وتقع هذه الجسيمات في أسر جاذبية كوكب الأرض وتشكل أحزمة متأينة تسمى أحزمة (فان ألين) نسبة للعالم الذي اكتشفها وذلك حين وضع عدَّاداً للجسيمات على متن القمر الصناعي الأمريكي (إكسبلورر-1) في  شباط / 1958/.

وقد بينت الدراسات أن الشمس تفقد في الثانية الواحدة ما يزيد عن مليون طن بشكل جسيمات، ولعل من أغرب الجسيمات التي تطلقها الشمس نتيجة تفاعلاتها جسيم عديم الشحنة وعديم الكتلة يدعى "النيوترينو"، وهذا الجسيم لا يستغرق في العبور من مركز الشمس إلى سطحها سوى ثانيتين فقط لأنه لا يعاني من التصادمات بسبب انعدام حجمه تقريباً، ولاصطياده وضع العلماء خزاناً مملوءاً بمادة (فوق كلور الإيثيلين) سعته (400000 لتر) في منجم مهجور للذهب على عمق آلاف الأمتار في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف عنه بسبب تحويله أحد النظائر المشعة للكلور الذي يبلغ وزنه الذري (37) إلى نواة النظير المشع للأرغون (37)، عندها يحصي العلماء عدد ذرات الأرغون الموجودة في الخزان وهو نفس عدد (النيوترينوات)، وبذلك يتنبئون عن نشاط الشمس.

الكسوف والخسوف

عندما يمر القمر بين الأرض والشمس يحجب الأخيرة عن الرؤية مسبباً الكسوف، كذلك عندما يمر القمر عبر ظل الأرض ينقطع عنه ضوء الشمس ويحدث الخسوف.

إن القمر لا يختفي تماماً في الخسوف وإنما يظهر بلون أحمر، والسبب في ذلك أن الغلاف الجوي للأرض يعمل كعدسة تكسر ضوء الشمس فيصل بعضه إلى القمر.

لكن السؤال الذي يخطر ببال كل منا هو لماذا لا يحصل الكسوف والخسوف كل شهر في وقتي البدر الكامل والهلال الجديد؟

يكمن السبب في كون مستوي مسار القمر لا ينطبق تماماً على مستوي حركة الأرض، فينتج عن ذلك أن يمر القمر وقت الهلال الجديد فوق الشمس أو تحتها بدلاً من المرور أمامها، وللسبب نفسه يمر القمر قريباً من ظل الأرض بدلاً من العبور خلاله، والكسوفات الكلية نادرة لأن منطقة الظل - وهي مخروط معتم يسببه القمر- تصل بالكاد إلى الأرض وبالتالي تكون مساحة وعرض منطقة مشاهدة الكسوف الكلي ضئيلة وتقع فوق المحيطات في أحيان كثيرة.

على أن هناك منطقة كبيرة خارج نطاق الكسوف الكلي يمكن فيها مشاهدة الجزء الشمسي الذي أصبح مظلماً ويدعى الظليل أو شبه الظل حيث يكون الكسوف جزئياً، إذاً لكسوف الشمس ثلاثة أنواع: الكسوف الكلي وذلك عندما يحجب قرص القمر قرصَ الشمسِ كلياً، وهناك الكسوف الجزئي وهو الأكثر شيوعاً حيث يحجب القمر جزءاً من الشمس، وهناك الكسوف الحلقي عندما يكون المساحة الظاهرية لقرص القمر أصغر من المساحة الظاهرية لقرص الشمس عندئذٍ تُرى حلقة مضيئة من الشمس حول القمر (حدث كسوف حلقي في صحراء شمال أفريقيا في كانون الأول من عام 1955).

وشبيه بحالات الكسوف حالات العبور للكواكب الداخلية أمام الشمس (عطارد والزهرة) حيث يستفاد منها في معرفة بعد الكوكب، ومن الجدير بالذكر أن حالة عبور للزهرة قد سجلت في العام (2004).

هناك تقسيم آخر لأنواع الكسوف: الكسوف المركزي والكسوف اللامركزي، في الكسوف المركزي يكون مخروط ظل القمر طويلاً إلى الحد الذي يقطع معه الكرة الأرضية بمنطقة لها شكل مقطع بيضوي، ويبلغ عرض الحزمة الكسوفية - أي ظل القمر على الأرض - (260 كم) ويتوضع خط الكسوف الكلي في مركز المقطع البيضوي، أما إذا لم تصل قمة مخروط ظل القمر إلى سطح الأرض فعندئذٍ يكون الكسوف الكلي عالياً فيُرى من الأرض الكسوف الحلقي حيث يبلغ عرض منطقة الكسوف (375) كم، أما منطقة شبه الظل فيبلغ عرضها (7000) كم. (من المراقبات الطريفة التي تمت للكسوف الكلي العالي أو الحلقي المنخفض تلك المراقبة التي جرت لكسوف /30/ حزيران/1973، ففي ذلك الكسوف حلقت إحدى طائرات الكونكورد البريطانية المجهزة لأبحاث الفضاء وارتفعت حتى وصلت إلى ظل القمر ورافقت مساره بحيث تمكن العلماء على متنها - بمن فيهم عالم الفضاء البريطاني "جون بكمان" - من مشاهدة كسوف كلي للشمس لمدة /72/ دقيقة، مع العلم أن ظل القمر يتحرك فوق الأرض بسرعة / 3000 / كم/ ساعة، بينما كان المراقبون على الأرض في نفس الوقت يشاهدون ذلك الكسوف حلقيّاً).

أما الكسوف اللامركزي فهو حالة خاصة تحصل في المناطق القطبية حيث لا يوجد خط مركزي - أي رأس مخروط ظل القمر - إذ لا يتمكن من بلوغ سطح الأرض.

إن منظر الكسوف الكلي رائع للغاية، فحينما يغطي القمر كامل قرص الشمس نستطيع أن نرى إكليل الشمس والمشاعيل المحيطة بها، وهي التي لا نستطيع رؤيتها في الأحوال العادية بسبب شدة وهج الشمس، والمشاعيل عبارة عن دفقات من الغاز تندفع وراء محيط الشمس، وقد يبلغ ارتفاعها (600000كم).

أما الإكليل فهو هالة شفيفة عظيمة من الغاز تغلف قرص الشمس على الدوام، إلا أن شكلها يختلف من حين لآخر ومن كسوف لآخر.

إن لحوادث الكسوف والخسوف ترتيب معين يتكرر خلال فترة زمنية ثابتة، وقد كان الكلدانيون أول من لاحظ ذلك فقاموا بحساب تلك الفترة الزمنية فوجدوها تساوي ثمانية عشر عاماً وأحد عشر يوماً وثلث اليوم، وأطلقوا على هذه المدة اسم: الساهور أو الساروس، فكلما انتهى دور ساهور عادت ظواهر الكسوف والخسوف إلى الترتيب التتابعي السابق ذاته.

أما أهل الصين فقد نظروا للأمر من وجهة نظر أسطورية حيث أمكنهم التنبؤ ببعض حالات الكسوف والخسوف، وكانوا يعتقدون أن الشمس في الكسوف يبتلعها تنين ضخم فيجتمع الأهالي محدثين ضجةً ضخمة لإخافة التنين وإبعاده بالقرع على الأواني المعدنية، وكانوا دائماً موفقين في طرده، وما زالت هذه العادة الجاهلية منتشرة عند بعض الناس.

ويحكي التاريخ أن فلكيي البلاط الصيني  (هْسِيْ HSI وهُوْ HO) لم يوفَّقا في التنبؤ بكسوف الشمس فأُعْدِما نتيجة تعريضهما سلامة العالم للخطر.

لقد كان الخوف من حوادث الكسوف والخسوف لدى الشعوب البدائية يرجع إلى القتال الذي كان ينشب - حسب اعتقادهم - دون انقطاع بين الشمس "مصدر الحياة" والقمر "أصل الألم والموت".

أما بالنسبة للفراعنة المصريين فكانت (الأبابي Ababi) - تلك الحية الكبرى القاطنة في أعماق النيل السماوي - تتوصل إلى ابتلاع القارب الشمسي الذي كان يمتطيه معبودهم الشمسي (رَعْ) كي يطوف على ملكه، ودوماً كان المدافعون عن رَعْ يغلبون هذه الحية ويلقونها في الهاوية.

ومن المعروف أن الفرعون المصري "أمنحتب الرابع" الذي عاش بين (1375- 1358 ق.م) قام بتوحيد الديانة المصرية ودعا إلى عبادة معبود واحد هو الشمس وسماه "آتون" وسمى نفسه "إخناتون" أي روح "آتون".

وفي أفريقيا تروي الأسطورة أن الغالب في صراع الشمس والقمر لا يتمكن من الاستمتاع بغلبته, فإذا كانت الشمس هي الغالبة وابتلعت القمر فإنها تشعر ببرودة كبرى في جوفها وتضطر في النهاية إلى طرحه، وإذا كان القمر هو الذي ابتلع الشمس فإن جوفه يحترق احتراقاً كبيراً حتى أنه لا يستطيع الاحتفاظ بها، إنها معركة دون هوادة يحددها دوماً قرع الطبول وصراخ الجنود الذين يشجعون المقاتل المخذول ريثما تستعيد الأشياء مجراها الطبيعي.

من الحوادث الطريفة أن معركةً جرت بين (الميديين) و(الليديين) في آسيا الصغرى قبل الميلاد صادف وقتها كسوف للشمس، فامتنع الطرفان فجأةً عن القتال وتعانق الخصوم وسط بحور الدماء لاعتقادهم أن الآلهة غاضبة من قتالهم، ولا بد أن الكثيرين يعرفون قصة الرحالة كريستوف كولومبس حيث تعرض أسطوله لعواصف عاتية في أواخر شباط عام (1504) قرب جزر جامايكا في البحر الكاريبي، فطلب من إحدى قبائل الهنود الحمر بعض المؤن لأسطوله فامتنع الهنود عن تقديم ما طلب كولومبس، فأخبرهم أن معبوداتهم ستغضب من تصرفهم هذا وستكون علامة غضبها أن القمر سيغوص في بحرٍ من الدماء، وكان كولومبس يملك تقويماً قديماً يتنبأ بخسوف القمر في اليوم التالي، وعندما بدأ لون القمر يتحول للأحمر سارع الهنود لتقديم كل ما طلب منهم مع طلب العفو من المعبودات التي يعبدونها من دون الله.

ومن المعروف أن شعوب أمريكا الأصلية تملك تراثاً كبيراً في المجالات الحضارية المختلفة، لكن الأساطير كانت تطغى في أحيان كثيرة.

تقول أسطورة من المكسيك: إن الشمس الرابعة أشرقت في مكان يُدعى (تيوتيهواكان) بعد أن انطفأت الشموس الثلاث السابقة، وعندما ماتت تلك الشمس ومات معها الناس سئمت الأوثان التي لم تعد تجد من يقدسها، فاجتمعت في (تيوتيهواكان) واتفقت على أن تتحول إحداها إلى شمس والأخرى إلى قمر، وأقيمت محرقة عظيمة، فتقدم الوثن الفقير الشجاع (ناناواتزن) وألقى نفسه في النار دون تردد فتحول إلى شمس، أما (تيكتزيتكاتل) - الوثن الغني الذي كان يتباهى دائماً بشجاعته - فقد تردد قبل أن يلقي بنفسه في المحرقة، فتحول إلى قمر شاحب شعاعه انعكاس لشعاع الشمس، ومن هنا جاء اسم الهرمين في شمال مدينة مكسيكو.

وتذكر الموسوعة البريطانية أن إحدى قبائل الهنود الحمر قدمت أثناء احتفالها بتنصيب ملكها ثمانين ألف ضحية بشرية من الأسرى لمعبودهم الشمس.

الإسلام وآيتَي الكسوف والخسوف
لا بد لنا في هذا السياق من الإشارة إلى نظرة الدين الإسلامي لهذه الظاهرة، في البدء نقول: إن المعنى اللغوي لكلمة الكسوف هو الاستتار أو التغير إلى سواد، وتوصف به الشمس حين يستتر نورها وتَسْوَدُّ بحيلولة جرم القمر بينها وبين الأرض، أما الخسوف فهو المحو أو النقصان أو الذل ويوصف به القمر حين يظلم.

من المعروف أن العلماء العرب قد توصلوا إلى تعليل الكسوف تعليلاً علمياً، ولهم رسائل في كسوف الشمس وخسوف القمر، وأنجزوا العديد من الأدوات التي تساعدهم في حساباتهم الفلكية، وقد كان للإسلام نظرة علمية موضوعية لمسألتي الكسوف والخسوف؛ فعن المغيرة بن شعبة أنه قال: (انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم - ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي").

إذاً كانت نظرة الإسلام أول نظرة علمية موضوعية لهاتين الظاهرتين السماويتين، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت: 37).

تسن في الكسوف والخسوف الصلاة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة)، وهي ركعتان طويلتان في كل ركعة ركوعان وقيامان وسجودان، ويسن لها الاغتسال، وأن تكون جماعة في المسجد، وتجوز صلاة النساء مع الرجال، ويجهر بالقراءة في صلاة الخسوف ويسر بها في الكسوف، وتسن بعدها خطبة كخطبة الجمعة، وقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الناسَ في خطبة الكسوف بالصدقة والذكر والتعوذ من عذاب القبر وعتق العبيد، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت:" لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في كسوف الشمس".

إن لصلاة الكسوف فوائد كثيرة منها على المستوى الصحي إشغال الناس بالصلاة عن النظر إلى الكسوف وبالتالي حماية أعينهم من الأذى في ذلك الوقت الذي لم يكن الناس يملكون فيه أدنى فكرة عن الإشعاعات الشمسية، بالإضافة لاشتغال الناس بالصلاة عن الهلع الذي قد ينتابهم بسبب الكسوف والخسوف، وتحويلهم من ظلام الخرافات والجهل والشرك بالله تعالى إلى نور الحق والخضوع لله تعالى عن بصيرةٍ وتفكر.

بعض حالات كسوف الشمس وطرائفها

أطول كسوف كلي معروف دامَ /7/ دقائق و/31/ ثانية، ومع أن هذا الكسوف لم تتم مراقبته لكن كسوف/20/ حزيران/1955/ الكلي فوق جزر الفلبين دام /7/ دقائق و/8/ ثواني.

أما أقصر امتداد زمني لكسوف كلي فقد حصل في /3/ تشرين أول /1986/ وكان كسوفاً حلقياً تخلله كسوف كلي مدة عُشْرِ الثانية فوق شمال المحيط الأطلسي.

أطول مدة ممكنة للمرحلة الحلقية هي /12/ دقيقة و/24/ ثانية، وأطول مسار لكسوف شمسي كلي عبر سطح الأرض هو /272/ كم.

وأول تنبؤ معروف لكسوف الشمس كان من قبل الفيلسوف الإغريقي "طاليس" الذي تنبأ بحدوث كسوف /25/ أيار/585 ق.م/، وحصل هذا مع غروب الشمس في منطقة البحر المتوسط، ووضع حداً لمعركة بين الميديين والليديين، أما أول كسوف شمسي مسجل فكان في/22/ أكتوبر/2136 ق.م / وشوهد في الصين خلال حكم الإمبراطور (شونغ كانغ)، والكسوف التالي المسجل حصل سنة /1375 ق.م / وهو مذكور على لوحة من الطين عثر عليها في منطقة أوغاريت في سورية.

ومن طرائف حوادث الكسوف أن لويس إمبراطور بافاريا مات خوفاً من الكسوف عام  /840/ للميلاد.

ومنها أيضاً أن العالم الفلكي (جولز جانسن) نجح في الابتعاد عن منطقة مطوقة عسكرياً لدراسة الكسوف الكلي مخاطراً بحياته وكان ذلك في /22/ كانون أول عام /1870/ حيث طار بعيداً عن باريس التي كانت مطوقة من قبل الجيوش الألمانية، لكن الغيوم في النهاية منعته من مراقبة الكسوف في منطقة أوران في فرنسا.

وأول ذكر للهالة الضوئية الشمسية يعود إلى بلوتارك الذي عاش بين /46 م -120م/.

وأول محاولة لتصوير الكسوف الكلي للشمس قام بها عالم الفضاء النمساوي (ماجوكي) في /8/ تموز/ 1842/، وأول صورة ناجحة للكسوف الكلي كانت في /28/ تموز /1851/ من قبل العالم (بيركاوسكي).

في شباط عام /1980/ تأجلت مباراة بسبب الكسوف بين بريطانيا والهند بكرة (الكريكت) حتى صباح اليوم التالي.

أما أول محاولة لإظهار كسوف كلي على شاشة التلفزيون فقد قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية في /15/ شباط /1961/ وكانت ناجحة.

الكسوف الصناعي

من أجل دراسة الكسوف وما يتيحه من فرصة جيدة لمراقبة الهالة والإكليل الشمسيين، وجد العلماء أن من الصعوبة انتظار حدوث الكسوف والذهاب إلى المناطق المختلفة لمراقبته، لذلك فكروا بإحداث الكسوف الصناعي عن طريق الأقمار الصناعية،  لكن من المعروف أن هذه الأقمار لا تستطيع حجب الشمس بجسمها الصغير، غير أننا نعرف أنه كلما اقتربنا من الجسم الذي ننظر إليه أصبحت مقاييسه أكبر، إذاً يمكن حل هذه المسألة بتقريب المشاهد من القمر الصناعي، وهذا ما تتمكن من القيام به السفينة الفضائية، وقد ظهرت هذه الفكرة أول مرة في الرحلة الفضائية المشتركة (الروسية - الأمريكية) التي جرت بتاريخ /15/ تموز/1975/حيث حلقت السفينتان الفضائيتان سويوز وأبولو، ففي اليوم الرابع من تلك الرحلة قامت سويوز بدور الأرض وأبولو بدور القمر، وقبل بداية التجربة تم توجيه السفينتين الملتحمتين مع بعضهما على امتداد المستقيم الواصل بينهما وبين الشمس بحيث كانت (أبولو) تقع أقرب إلى الشمس من (سويوز)، ثم افترقت السفينتان وشرعتا في التباعد وكانت السفينة الأمريكية تحجب الشمس بجسمها عن أنظار راكبي (سويوز)، وكانت وحدة الالتحام لسفينة (سويوز) مزودة بنافذة مدورة، وفي هذه النافذة الموجهة نحو (أبولو) أثناء التجربة رُكِّبَتْ آلة تصوير بحيث كانت عدستها التي تتحكم فيها آلية مبرمجة تنظر من الكوة لتلتقط صوراً لهالة الشمس بشكل أوتوماتيكي وبسرعات تصوير مختلفة، وعندما تجاوز البعد بين السفينتين (200 م) وأصبحت مقاييس القمر - أي سفينة أبولو - أكبر من مقاييس القرص الشمسي بمرتين، بدأت السفينتان تتقاربان من جديد لإعادة الالتحام، وهكذا استمر الكسوف الشمسي الصناعي الذي أحدثه الإنسان لأول مرة حوالي خمس دقائق، وهكذا يصبح لدينا نوع رابع من أنواع الكسوف.

آلية حدوث الكسوف

تدور الأرض حول الشمس بعكس اتجاه عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق، وتتم دورتها في (365) يوم وربع اليوم، ويشكل مستوي دوران الأرض حول الشمس مع مستويات دوران بقية الكواكب ما يعرف بفلك البروج، وبمعنى آخر فإن فلك البروج هو المسار الظاهري لقرص الشمس خلال سنة أرضية كاملة؛ حيث يتغير ميل الشمس خلال سنة واحدة بين (+30َ,23ْ) و(-30َ,23ْ)،

ويدور القمر حول الأرض بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق في مدة ظاهرية تبلغ (29) يوم و(12) ساعة و(44) دقيقة و(2.9) ثانية، وتدعى هذه الدورة بالدورة الاقترانية (و هي الفترة الواقعة بين حالتي اقتران للقمر مع الشمس كما هو مشاهد من الأرض).

بينما تبلغ مدة دوران القمر الحقيقية حول الأرض (27) يوم وثلث اليوم تقريباً (السنة بالنسبة للمراقب على سطح القمر)، وهي تساوي بالضبط مدة دورانه حول محوره (اليوم بالنسبة للمراقب على سطح القمر)، لذلك لا نشاهد سوى وجه واحد للقمر، وأدنى بعد للقمر عن الأرض  يبلغ (348294 كم) (نقطة الحضيض في المدار)، وأقصى بعد للقمر عن الأرض في دورته يساوي (398581 كم) (نقطة الأوج في المدار).

وهكذا تكون مساحة قرص القمر الظاهرية في الأوج أصغر من مساحة قرص القمر الظاهرية في الحضيض، ولهذا دور في تحديد نوع الكسوف، فوجود القمر في الأوج يجعل الكسوف حلقياً (المساحة الظاهرية لقرصه صغيرة لأنه بعيد)، ووجوده في الحضيض يجعل الكسوف كلياً (المساحة الظاهرية لقرصه كبيرة لأنه قريب).

لكن لا بد أيضاً من توفر شروط أخرى لحدوث الكسوف، من المعروف أن مستوي مدار القمر يميل على فلك البروج بزاوية مقدارها خمس درجات وتسع دقائق، بسبب هذا الميل يقطع القمر فلك البروج في نقطتين ندعوهما  عقدتين، ويحدث الكسوف والخسوف بجوار هاتين العقدتين شرط وقوع الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة.

تعود أهمية هذا الحدث لندرة وقوعه في منطقة واحدة، فالكسوف الكلي لا يتكرر في منطقة بذاتها إلا في مدى (400) سنة.

إن أكبر عدد ممكن لمجموع حالات الكسوف والخسوف في السنة الواحدة هو سبع حالات، ففي سنة /1935/ حدثت خمس حالات كسوف شمسي وحالتا خسوف قمري، وفي سنة /1982/ حدثت أربع حالات كسوف شمسي وثلاث حالات خسوف قمري.

بينما يبلغ أقل عدد ممكن لهذه الحالات اثنتان في السنة الواحدة، وكلاهما يجب أن تكونا حالتي كسوف شمسي كما حدث في عام /1984/.

إن كسوف يوم الأربعاء /11/آب/1999/ شُوهِدَ في كل أنحاء الوطن العربي بنسب متفاوتة، والمنطقة الوحيدة التي كان فيها الكسوف كلياً هي المنطقة الشمالية الشرقية من سورية وشمالي العراق، بدأ الكسوف من المنطقة الغربية من سورية وانتقل نحو الشرق تدريجياً، بلغ عرض حزمة الكسوف الكلي 110 كم، وقع منها داخل الأرض السورية 35 كم حيث شملت مناطق: عين ديوار والمالكية وأم التلول والشامية وفش خابور والجابرية والصهريج، وكانت المساحة الظاهرية لقرص القمر تعادل109% من المساحة الظاهرية لقرص الشمس، والسبب في ذلك أن القمر كان يقع بجوار الحضيض في ذلك التاريخ حيث كانت مساحة قرصه الظاهرية أكبر ما يمكن، بينما كانت الأرض أبعد ما يمكن عن الشمس أو قريبة من نقطة الأوج في مدارها والتي تمر بها الأرض في 3 تموز من كل عام حيث كانت المساحة الظاهرية لقرص الشمس أصغر ما يمكن.

استمر حجب الشمس التام مدة دقيقتين حل فيهما الظلام وظهرت النجوم اللامعة ومجموعة نجوم أبراج الشتاء مثل الجوزاء ونجم الرجل والشعرى اليمانية، بالإضافة لظهور خمسة من كواكب المجموعة الشمسية حيث كان كوكب عطارد إلى الغرب من الشمس والزهرة إلى الشرق منها، بالإضافة لظهور المريخ والمشتري وزحل، واستمر الكسوف في منطقة عين ديوار من الساعة الواحدة وعشرين دقيقة بعد الظهر حتى الساعة الرابعة عصراً، بينما وقعت ذروة الكسوف الكلي بين الساعة (14.44-14.46)، مع العلم أن أطول كسوف كلي في القرن العشرين حدث عام /1973 / حيث استمر مدة سبع دقائق.

وفرصتنا في الكسوف رائعة لرؤية الانفجارات الشمسية السطحية والهالة والإكليل الشمسيين.

الوقاية من أذى الكسوف الشمسي

خلق الله تعالى عيوننا وجعلها نوافذنا على العالم الخارجي، وجعل هذه العيون مهيَّأةً لتلقي الضوء بالانتثار، فلا تتلقاه من المنبع مباشرةً.

إن النظر إلى الشمس في أي وقت لبضع ثوانٍ قد يسبب حروقاً غير قابلة للشفاء في شبكية العين وقد يسبب العمى، لكن ضوء الشمس المبهر في الأحوال العادية يمنعنا من النظر إليها، والخطورة تكمن في فترة الكسوف حيث يُحجَبُ ضوءُ الشمس المبهر فنتمكن من النظر إلى الشمس بغير عوائق أو شعور بضرر ذلك لأن الشبكية في العين لا تحوي أي مستقبل لحس الألم، ولا تظهر الأضرار إلا بعد عدة ساعات، والضرر ينجم عن إشعاعات الشمس تحت الحمراء وفوق البنفسجية وأشعة (X)، وقد يؤدي التعرض لهذه الإشعاعات إلى العمى، لذا يجب الانتباه للأطفال ومنعهم من النظر إلى الشمس في فترة الكسوف.

يحدث العمى حين تصاب اللطخة الصفراء في قعر الشبكية بالأذى، فعندما تكون الشمس في قمة السماء تنطبع صورتها على الشبكية بقطر 160 ميكروناً، أي أنقص بـ20% من مساحة اللطخة الصفراء التي يبلغ قطرها 350 ميكروناً، ومن المعروف أن بؤبؤ العين إذا كان صغيراً فإنَّ النظر للشمس يحدث ارتفاعاً في درجة حرارة الشبكية يبلغ 4 درجات مئوية، وهو ارتفاعٌ غير كافٍ لإحداث التخثير الضوئي لمكونات الشبكية والذي يلزمه ما بين 10 إلى20 درجة مئوية، فأذية الشبكية في الكسوف هي أذية تسمم كيميائي ضوئي مع العلم أن غاليليو غاليلي فقد بصره نتيجة ذلك.

يزداد ارتفاع درجة حرارة الشبكية حين ننظر من خلال العدسات الصنعية، أما الجسم البلوري للعين فهو يحوي حاملات صبغية مقاومة للأشعة فوق البنفسجية، وتتدرج الإصابة من أذية اللطخة الصفراء المبيضة التي تشفى بعد شهور، إلى تشوش فيها، ثم إلى تنقط صباغي فإلى انثقاب الشبكية في منطقة اللطخة الصفراء، والأطفال أكثر عرضة للإصابة بالتسمم الشبكي الضوئي، لأن الجسم البلوري في عين الطفل يسمح بنفوذ بعض الأشعة فوق البنفسجية بكمية أكبر مما يسمح لدى الشخص البالغ، أما المراقب الذي يريد مراقبة الحدث فيمكنه استخدام واقيات للعين أثناء المراقبة، ومن أنواع هذه الواقيات الزجاج الواقي المستخدم في عمليات اللحام بالقوس الكهربائي، ويمكن أيضاً النظر عبر عدة طبقات من مسودات الأفلام التصويرية شريطة ألا تكون قد استخدمت في التصوير حيث تخرج من محفظتها وتحرق في الضوء ثم تحمض ونقوم بطيها عدة طبقات ونوجهها نحو المصباح الكهربائي العادي المُضاء، فإذا ظهر سلك التنغستين الذي في وسطه فقط فإن هذه الطبقات كافية، أما إذا ظهرت الحبابة فيجب زيادة عدد الطبقات، كما يمكن استخدام الزجاج الذي تعرض لهباب الفحم فاسود كثيراً إلا أنه يمرر الأشعة تحت الحمراء، ويمكن استخدام طبقة من مادة الميلار، وهي خليط من الكروم والألمنيوم التي لا تنفذ سوى ثلاثة بالألف من أشعة الشمس، وتعتبر هذه الطريقة من أسلم الطرق، ومن الأفضل إسقاط منظر الكسوف على لوحة كرتونية عبر مقراب فلكي لمراقبة خيال الشمس، كما يمكن مراقبة حواف القمر أثناء الكسوف حيث تبدو انطباعات المرتفعات والوديان القمرية التي تمر عبرها أشعة الشمس. يتساءل البعض عن تعرض الجسم لأشعة الشمس في وقت الكسوف هل يضر؟

والجواب: أنه لا يضر فهو الضوء ذاته الذي نتعرض له من الشمس في الحالة العادية، وهذا ينطبق على الحيوانات والنباتات، والتأثر الوحيد الذي تتعرض له الحيوانات هو اضطراب الساعة البيولوجية لديها؛ حيث تظن الحيوانات أن الليل قد أتى فتنام، خاصةً الدواجن، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية قامت بتصنيع 8000000 نظارة خاصة بالكسوف، وقامت بتوزيعها مجاناً على أفراد الشعب للتمتع بمنظر الكسوف الذي حدث عام 1999، إن رؤية حالة الكسوف الكلي هو فرصة قد لا تتكرر في حياتنا مرة أخرى، فتبارك الله أحسن الخالقين.