شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الثلاثاء، سبتمبر 24، 2013

مظاهرات السودان

----------------- المظاهرات و الاحتمالات المنطقية --------------------
                                                           الاستاذ عادل عبد الوهاب
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و بعد :
*احتمالات تغيير منكرات النظام و اصلاح فساده عبر المظاهرات :

الاحتمال الأول : زوالها بالكلية و حلول الخير و النماء
الاحتمال الثاني : نقصانها و التقليل من انتشارها
الاحتمال الثالث : ظهور منكرات مساوية لها
الاحتمال الرابع : ظهور منكرات اكبر منها

*احكام هذه الاحتمالات:

في الاحتمال الاول : الانكار واجب ، لان ازالة المنكر واجبة . و من الادلة على ذلك قوله تعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(104) .آل عمران.

في الاحتمال الثاني : الانكار واجب ، لأن تقليل الفساد واجب ان لم نقدر على ازالته .
ومن الادلة على ذلك حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه حيث قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :« من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ». أخرجه مسلم
في الاحتمال الثالث : الانكار و عدمه سواء ، لأنه لن يغير شيئا .و من الأدلة على ذلك قوله تعالى (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41))يونس

في الاحتمال الرابع : الانكار محرم ، لأن النتائج ستكون عكسية ، و الفساد سيتضاعف ، و الشريعة تدعو الى ترك الانكار اذا كان يؤدي الى منكر اكبر ، و من الأدلة على ذلك قوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) )الانعام

* وجهة نظر :

بالنظر الى واقعنا المعاصر ، و نتائج المظاهرات المشاهدة  فالاحتمال الذي تحقق هو الاحتمال الرابع (و حكمه التحريم) لان المظاهرات لم تقض على الفساد و كذلك لم تقلل من انتشاره بل زادت الفساد و الخراب ، و هيأت الجو للمفسدين لتسوية الحسابات الشخصية ، و مهدت المناخ للسفهاء ليصلوا الى مآربهم الدنيئة ، و الضحية هم المواطنون البسطاء واصحاب المحلات و المتاجر و الكادحين من اجل لقمة العيش ، لهذا و غيره قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه  ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة ٌ جاهلية) متفق عليه .


*مع العلم بان المظاهرات حولها الملاحظات التالية :
 
1- لافتاتها المرفوعة متباينة و احيانا متعارضة ( فمنهم من يريد اسقاط النظام ، و منهم من يريد اصلاح النظام ، و منهم من يريد المشاركة في النظام ، و منهم من له شعاره الخاص)

2- نتائجها مجهولة و خارجة عن السيطرة ( بدايتها تكون معلومة ، اما نهايتها و ما يترتب عليها فليس الى معرفتها سبيل )

3- عناصرها و افرادها ذوي انتماءات مختلفة ، و مرجعيات متناقضة (خليط غير متجانس من النكرات ، و مجهولي الهوية ، و الأُميين ، والمثقفين  ، و العمال ، و الموظفين ، و الاكاديميين ، والسياسيين ، و العملاء ، و الجواسيس ، و السفهاء ، و غيرهم )

4- أدواتها مخربة و مهلكة ( الحرق ، التدمير ، النهب ، السلب ، القتل)

و الحل طويل الأمد ، و يحتاج الى صبر و جلد ، و مفتاحه قوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )  ، و قد ربَّى النبي صلى الله عليه و سلم اصحابه 21 عاما ثم فتح بهم مكة في السنة الثامنة للهجرة .. فلكل مقام مقال و لكل حال حال .. و لا بد من المضي قدما  في ميدان التربية و الاصلاح الاخلاقي  ، بعزم أكيد ، و سعي حثيث ، و نفس طويل ، فعندما يتغير المحكوم حتما سيتغير الحاكم ، كما انه :
قــــــد يدرك المتأني بعض حاجته * و قد يكون مع المستعجل الزللُ

الاثنين، سبتمبر 16، 2013

ثنائيات رباعية (3)



ثنائيات رباعية في العلوم النقلية و العقلية (3)

(القوة و الأمانة)
الاستاذ عادل عبد الوهاب



الحمد لله و كفى ، و الصلاة و السلام على نبيه المصطفى ، و آله و أصحابه أهل الأمانة و الوفا ، و بعد :

القوة و الأمانة  صفتان محبوبتان بين الناس ، مرغوبتان عند البشر ، و القوة تشمل القوة البدنية ، و الشجاعة القلبية ، و الفصاحة اللسانية ، و الحصيلة العلمية ، والمكانة الإجتماعية المتمثلة في الشهرة و المال والأتباع ، و كذلك الهمة العالية ، و العزيمة الماضية ، و المبادرة الفاعلة ، فكل واحدة من هذه الصفات تمثل مظهرا من مظاهر القوة ، و هي متفاوتة بين البشر . أما الأمانة فجوهرها الصدق ، و حسن الخلق ، و نقاء السريرة ، و المروءة ، و كل ما جاءت به الرسالات من مكارم الأخلاق ، و محاسن الصفات ، و الناس فيها كذلك منازل متباينة  ، و مراتب شتى ، و قد انقسموا باعتبارهما إلى أقسام أربعة :



الأول : من له أمانة و ليس له قوة

 و هذا أوسطهم حالا ، اجتمع فيه خير و شر ، و خيره غالب على شره ، فيكون أمينا صادقا ، تقيا ورعا ، مخلصا ، حسن الخلق ، لكنه ضعيف في بدنه ، أو  فقير لا يملك شيئا من حطام الدنيا ، أو سلبي ليس له أثر فيما حوله ، أو قليل العلم ، أو عاجز عن التعبير السليم عن نفسه أو عن غيره . و هذا النوع هو الذي استعاذ منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال ( اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر ، و عجز التقي) .

 و الضعف قد يكون عارضاً يزول بزوال أسبابه كما كان حال النبي صلى الله عليه و سلم و المسلمين في بداية الدعوة ، و دعاؤه مشهور بعد حادثة الطائف و تطاول السفهاء  عليه حين قال (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ،يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين...)فيض القدير ج2 ص150 .

 فالضعف يكون ابتلاء من الله دون تقصير ، و صاحبه  مخفوض عند الناس ، لكنه مرفوع عند رب الناس ، كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ( رب أشعث أغبر ذي طمرين ، مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبره ) أخرجه الحاكم وغيره. و قال الشاعر :



رُبَّ ذي طمرين نِضْوٍ * يأمَنُ العَالَمُ شَرَّهُ

لا يُرى إلاّ غنيـــــــــاً * وهو لا يملكُ ذَرَّهْ

ثم لو أقسمَ في شيءٍ * على اللـــــهِ أَبَرَّهْ



و من صور ذلك :

-          الدعاة و المصلحون الذين يعانون من  محدودية العلم ، أو الضعف البدني ، أو ضعف اللغة ، أو قلة الإمكانيات ، أو  غيرها من مظاهر النقص و التقصير . وقد يكون ذلك بسبب سوء الفهم ، أو وهن العزيمة ، و فتور الهمة و هنا يظهر القصور الذاتي ، و النقص الشخصي فيصدق قول المتنبي :



و لم أر في عيوب الناس شيئا * كنقص القادرين على التمام



 و هذا من عجائب الأمور قرب الدواء و استفحال الداء ، و استحكام المرض مع تيسر اللقاح و العلاج ، و صدق من قال :

و من العجائب و العجائب جمة * قرب الشفاء و مـــــا إليه وصول

كالعيس في البيد اء يقتلها الظمأ * و المــــاء فوق ظهورها محمول



-          الأمة الإسلامية منهاجها خير منهاج ، و رسالتها أسمى رسالة ، لكنها ضعيفة بين الأمم ، لا قوة لها و لا كلمة ، بل أصبحت تبعاً لغيرها ، تتلقى المعونات ، و تستقبل الضربات ، و ترضى بالفتات من خيراتها المسلوبة ، و ثرواتها المغصوبة ، و ما دامت على هذه الحال فلن تزداد إلا ضعفا و تبعية ، لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، و لا يفُلُّ الحديد إلا الحديد ، و لا يغني الشجب و التنديد ، و من كان الضعيف فإن حجته ضعيفة ، و لا يطاع لقصير أمر (و هذا هو عجز الثقة) .

  هذا الواقع المرير يمكن تغييره ، و تلك الصورة المشوهة يمكن تحسينها ،  فالقوة كامنة في رسالتنا ، متغلغلة في مبادئنا التي سدنا بها العالم زمناً ليس بالقصير ، و حكمنا بها الدنيا :



و الليث ليث و لو كَلَّت مخالبه * و القرد قرد و إن لبس العمامة



الثاني : من له قوة و ليس له أمانة

 و هذا شرهم ، و أخبثهم ، و ضرره غالب على نفعه ، و خطره كبير ، حيث يكون قويا في بدنه ، أو كثير المال ، أو عظيم الجاه كثير الأتباع ، أو فصيح اللسان ، أو واسع الثقافة و الإطلاع ، لكنه لا يعرف الأمانة ، و لا يدري ما الصدق و الوفاء ، قبيح الخلق ، سيئ النية ، خبيث الطوية ، سخر ما عنده لنصر الباطل و نشره ، و حرب الحق و أهله ،  و من صور ذلك :



-          المنافقون من أجمل الناس منظرا ، و أحلاهم لسانا ، و أقواهم أبدانا ، و أكثرهم أتباعا و جمهورا ، لكنهم مرضى القلوب ، ضعاف النفوس ، يقولون ما لا يفعلون ، و يظهرون ما لا يبطنون ، فمظاهرهم خادعة ، و بواطنهم مظلمة ، و صدق الشاعر حين قال :



و هل ينفع الفتيان حسن وجوههم * إذا كانت الأخلاق غير حسان

فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى * فما كل مصقول الحديد يماني



قال الله عنهم (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) البقرة ، و قال عنهم (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المنافقون ، قال السعدي في تفسيره:

  [ (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) من روائها ونضارتها، ( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء، ولهذا قال: ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ )لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض، ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم ، والريب الذي في قلوبهم يخافون أن يطلع عليهم. فهؤلاء ( هُمُ الْعَدُوُّ ) على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين، ( فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، واتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء ].

و هؤلاء تحركهم مصالحهم ، و تقودهم شهواتهم ، و حكايتهم مع المجتمع كحكاية الثعلب المكار مع الديك الصداح ، والتي صورها الشاعر أحمد شوقي في  القصيدة الرمزية التالية :



بـــــرز الثــــعلب يـــــوما  *  في شعــار الواعظـــيــنا
فمشى في الأرض يهـدي  *  ويســـب المـــــــــاكرينا
ويقـول : الحــــــــــمد لله  *  إلــــــــــه العالمـــــــــينا
يا عبــــــاد الله توبــــــوا  *  فهو كــــــــهف التــائبينا
وازهــدوا في الطــــــير  *  إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبــــــوا الديك يؤذن  *  لصــــلاة الصــــــبح فينا
فاتى الديــــــــك رسول  *  من إمــــــــام الناســــكينا
عرض الأمـــــــر عليه  *  وهو يرجـــــو أن يليــــنا
فأجاب الديــــــك عذراً  *  يــــــــا أضل المهتـــــدينا
بلّغ الثعــــــــــلب عنّي  *  عن جدودي الصالــــحينا
عن ذوي التيجان ممن  *  دخل البطن اللعـــــــــــينا
إنهم قالوا وخــــــير الـ  *  قول قول العــــــــــارفينا
مخطئ من ظن يومـــاً  *  أن للثــــــعلب دينـــــــــا



-          و من صور ذلك الكفار الذين يملكون القوة و السلاح ، و المال والأنصار ، و أصبحت بيدهم مقاليد الأمور ، لكنهم حرب على الإسلام و أهله ، و هذا من مصائب الدهر ، و محن الزمان ، و علامات الساعة ، أن يتقدم السفهاء و يتأخر الفضلاء كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال : قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إذا ضيعت الأمانة ، فانتظر الساعة ، قيل : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله ، فانتظر الساعة ) . و لله در القائل :



رأيت الدهر يرفـع كل وغـــد * و يخفض كل ذي رتب شريفة

كمثل البحر يأخــــــذ كل حي * و لا ينفك تطفو فيه جيفــــــــة

و كالميزان يخفض كل واف * و يرفع كل ذي زنة خفيــــــــفة



و قد قال الله عنهم مبينا عداءهم المستحكم و حقدهم الدفين (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)البقرة 215 ، و مع ذلك نهى الله عز و جل عن الإستسلام لهذا الواقع العابر ، أو الإنهزام أمام هذا الطغيان الغاشم ، فقال لرسوله صلى الله عليه و سلم (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى الْبِلَادِ مَتَاعٌ ، قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)آل عمران 196-197، لأنه مهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر ، و صدق الشافعي حين قال :



تموت الأسد في الغابات جوعاً  *  و لحم الضان تأكله الكـــــــلاب

وذو سفهٍ ينـــــــــام على حرير  *  و ذو فضل مفارشه التـــــــراب





و من الأمانة أن نقول أن بعض هؤلاء قد نجد فيهم أمانة ، و رحمة ، و حسن خلق ، و رفق بالحيوان أكثر مما عند كثير من المسلمين ، و هي التي فتنت كثيرا ممن ينتسبون إلى الإسلام ، فاغتروا بما عندهم من فتات الأخلاق ، و سراب القيم ، لكن الفرق بيننا و بينهم أنهم يفعلونها عادة و إنسانية ، و المسلمون يفعلونها طاعة و عبودية ، و هي حسنات مغمورة في بحار سيئاتهم ، و أعمالهم يوم القيامة (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) النور 39-40



-          و مِن صور ذلك الفجار و السفهاء من أبناء المسلمين الذين يتجلدون في الباطل ، و يتحملون الصعاب ليصلوا إلى إرواء شهواتهم و إشباع نزواتهم ، من الظلم والبطش و الاحتيال ، و استضعاف الفضلاء ، و أكل المال بالباطل ، بلا حياء و لا تردد ، و كانهم صم عن قول الشاعر:



لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * فالظلم مصدره يفضي إلى الندمِ

تنام عيناك و المظلـوم منتبه * يدعو عليك و عين اللـــه لم تنمِ



-          و من صور ذلك أيضا الظلمة من حكام المسلمين و أعوانهم المتجبرون ، الذين يشددون على الرعية ، و يبطشون بالضعفاء ، و ينهبون و يسلبون قريبا أو بعيدا عن أعين الرقباء ، فهؤلاء و يل لهم كما قال الشاعر:



إذا خــــان الأمير و كاتباه * و قاضي الأرض داهن في القضاء

فويـــل ثم ويــل ثم ويـــل * لقاضي الأرض من قاضي السماء



فالدول تبقى مع العدل و إن كانت كافرة ، و تزول مع الظلم و إن كانت مسلمة .

الثالث : من ليس له قوة و ليس له أمانة

فيكون ضعيف البدن ، عليل الجسد ، قليل الحيلة ، أو فقيرا معدما ، و مع ذلك يكون بذيئا ، سيئ الأخلاق ، لا دين له و لا أمانة ، و هذا أتعسهم ، فلم يفلح في دين ، و لم ينجح في دنيا ، لا يألف و لا يؤلف ، و يصدق عليه المثل القائل ( لا في العير و لا في النفير) ، و حاله كلحم جمل غثٍّ ، على رأس جبل وعْرٍ ، لا سهلٌ فيُرتقَى ، و لا سمينٌ فيُنتقَى ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .  و من صور ذلك :

-          الشيخ السفيه ، و الأشيمط الزاني ، و العائل المستكبر كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم :  (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولهم عذاب أليم : أشيمط زان ، وعائل مستكبر ، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) فيض القدير ج3 ص436، و العائل هو الفقير الذي ينبغي أن يكون هينا لينا ، و الأشيمط هو الشيخ الكبير الذي ينبغي أن يكون بعيدا عن الزنا لضعف شهوته ، و انحراف الشيخ صعب العلاج ، لأن من شبّ على شيء شاب عليه ، و من شاب على شيء مات عليه ، و من مات على شيء بعث عليه ، هذا على التغليب و ليس على الدوام ، كما قال الشاعر :



وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده  *  وإن الفتى بعد السفاهة يحلم



-          الشباب الفاشل العاطل ، البعيد عن معاني الرجول ، المتصف بالميوعة و التخنث الذي تعجب الشاعر من حاله فقال :

و ما عجبٌ أن النساء ترجلت * و لكن تأنيث الرجال عجيب

و من أسباب ذلك الترف ، و الدلال الزائد داخل الأسرة ، و غفلة الآباء ، و ضعف التربية . و يلحق بهؤلاء المسترجلات من النساء فهم سواء ، هذا أضاع رجولته فتحول إلى نكرة ، و تلك فقدت أنوثتها فأصبحت لا شيء ، و رحم الله القائل :



تلقى فتـــــاة في ثياب ترجــــــــــل   *   فتخالها من جملة الفتيــــــــان

نفس الملابس و المجالس و الخطا  * لم يبق إلا الشعر في الأذقــــان

أو قد ترى في الوجه دون تعمــــد   *  عجبا من الأصباغ و الألــــوان

و إذا رايت جلوسهم و حديثهم  *   ورأيت أكواما على الميــــــدان

لرأيت من دول الأعاجم لوحـة   *   مرسومة بأنامل الشيطـــــــــان

و لسوف تقسم بالإله مجــاهرا   *   أن قد رأيت الغرب رأي عيـان





الرابع : من جمع بين القوة و الأمانة

 فيكون قويا في بدنه ، أو غزيرا في علمه ، أو كثيرا في ماله ، أو فصيحا في قوله ، أمينا تقيا رفيقا ، حسن الخلق ، وهذا خيرهم و أفضلهم و أنفعهم كما جاء في القرآن ( إن خير من استأجرت القوي الأمين) ، و كما جاء في الحديث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفى كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أنى فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) رواه مسلم

و من صور ذلك :

-          الشاب المستقيم ، الورع المتعفف ، و الحاكم العادل ، المنصف لرعيته ، فهؤلاء أقوياء و مع ذلك أمناء ، و هم من السبعة أصحاب الظل يوم القيامة ، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) و ذكر منهم  (إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ) وساق الحديث إلى آخره .

-          الداعية المتمكن ، غزير العلم ، واسع الاطلاع ، قوي الحجة ، حسن الخلق ، بليغ الخطاب ، قوي البدن ، المتفاعل مع مجتمعه  ، هو الداعية الحي ، و المربي القدوة ، الذي سيغير وجه الأرض .

-          الأمة الإسلامية  حين تتسلح بالإيمان ، و تتحصن بالعلم ، و تقوم صفا واحدا في مواجهة أعدائها كالبنيان المرصوص ، و حين تحقق قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)التوبة 60 تعود صاحبة الريادة و القيادة ، و الكلمة و السيادة  ، و يتحقق فيها قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) 110 آل عمران ، و لن يقف في وجهها عدو ، و تكون هي المعنية بقول الشاعر العشماوي متفائلاً :



صبح تنفس بالضــياء وأشرقا * الصحوة الكبرى تهـــــــز البيرقا
وشبيبة الإســــــلام هذا فيلق  * في ســـــــــاحة الأمجاد يتبع فيلقا
وقوافل الإيمان تتخذ المـــدى * دربا وتصنع للمحيـــــــط الزورقا
وحروف شعري لا تمل توثبا * فوق الشفاه وغيب شعري أبــــرقا
وأنا أقول وقد شرقت بأدمعي * فرحا وحق لمن بكى أن يـــــشرقا
ما أمر هذه الصحوة الكبرى  * سوى وعـــــد من الله الجليل تحققا
هي نخلة طاب الثرى فنــــما*  لها جذع قوي في الـــتراب وأعذقا
هي في رياض قلوبنا زيتونة * في جذعها غصن الكــــرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نـوره * أرني يدا سدت علينــــــــا المشرقا
يا نهر صحوتنا رأيتك صافيا * وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى

فجر تدفق من سيحبس نـوره * أرني يدا سدت علينــــا المشرقـــا







و نواصل حديثنا مع ثنائية أخرى بمشيئة الله

                                                     والله الموفق