شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

فقه الموازنات

 (1)

قال الإمام الهمام شيخ الإسلام ابن القيم - رحمه الله تعالى وأعلى منزلته في الجنة - في ( مفتاح دار السعادة ) ( 1 / 176 ) :
( من قواعدالشرع وَالْحكمَة ايضاً : أن من كثرت حَسَنَاته وعظمت وَكَانَ لَهُ فِي الاسلام تَأْثِير ظَاهر فَإِنَّهُ يحْتَمل لَهُ مَالا يحْتَمل لغيره ويعفي عَنهُ مَالا يعفي عَن غَيره فَإِن الْمعْصِيَة خبث وَالْمَاء إِذا بلغ قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث بِخِلَاف المَاء الْقَلِيل فَإِنَّهُ لَا يحمل ادنى خبث .

 وَمن هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم : لعمر وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على اهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم " ، وَهَذَا هُوَ الْمَانِع لَهُ من قتل من حس عَلَيْهِ وعَلى الْمُسلمين وارتكب مثل ذَلِك الذَّنب الْعَظِيم فَأخْبر انه شهد بَدْرًا فَدلَّ على ان مُقْتَضى عُقُوبَته قَائِم لَكِن منع من ترَتّب اثره عَلَيْهِ مَاله من المشهد الْعَظِيم فَوَقَعت تِلْكَ السقطة الْعَظِيمَة مغتفرة فِي جنب مَاله من الْحَسَنَات .
وَلما حض النَّبِي على الصَّدَقَة فَأخْرج عُثْمَان رضى الله عَنهُ تِلْكَ الصَّدَقَة الْعَظِيمَة قَالَ ماضر عُثْمَان مَا عمل بعْدهَا .
وَقَالَ لطلْحَة لما تطاطأ للنَّبِي حَتَّى صعد على ظَهره الى الصَّخْرَة اوجب طَلْحَة وَهَذَا مُوسَى كلم الرَّحْمَن عز وَجل القى الالواح الَّتِي فِيهَا كَلَام الله الَّذِي كتبه لَهُ القاها على الارض حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَلَطم عين ملك الْمَوْت ففقأها وعاتب ربه لَيْلَة الاسراء فِي النَّبِي وَقَالَ شَاب بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من امته اكثر مِمَّا يدخلهَا من امتي واخذ بلحية هَارُون وجره اليه وَهُوَ نَبِي الله وكل هَذَا لم ينقص من قدرَة شَيْئا عِنْد ربه وربه تَعَالَى يُكرمهُ وَيُحِبهُ فَإِن الامر الَّذِي قَامَ بِهِ مُوسَى والعدو الَّذِي برز لَهُ وَالصَّبْر الَّذِي صبره والاذى الَّذِي اوذيه فِي الله امْر لَا تُؤثر فِيهِ امثال هَذِه الامور وَلَا تغير فِي وَجهه وَلَا تخْفض مَنْزِلَته .
وَهَذَا امْر مَعْلُوم عِنْد النَّاس مُسْتَقر فِي فطرهم ان من لَهُ الوف من الْحَسَنَات فَإِنَّهُ يسامح بِالسَّيِّئَةِ والسيئتين وَنَحْوهَا حَتَّى انه ليختلج دَاعِي عُقُوبَته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب دَاعِي الشُّكْر لداعي الْعقُوبَة كَمَا قيل:
وَإِذا الجيب اتى بذنب وَاحِد ... جَاءَت محاسنه بِأَلف شَفِيع وَقَالَ آخر:
فَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا ... فافعاله اللَّاتِي سررن كثير 

وَالله سُبْحَانَهُ يوازن يَوْم الْقِيَامَة بَين حَسَنَات العَبْد وسيئاته فايهما غلب كَانَ التَّأْثِير لَهُ فيفعل بَاهل الْحَسَنَات الْكَثِيرَة وَالَّذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم احيانا من الْعَفو والمسامحة مَالا يَفْعَله مَعَ غَيرهم وايضا فان الْعَالم إِذا زل فَإِنَّهُ يحسن اسراع الْفَيْئَة وتدارك الفارط ومداواة الْجرْح فَهُوَ كالطبيب الحاذق الْبَصِير بِالْمرضِ وأسبابه وعلاجه فَإِن زَوَاله على يَده اسرع من زَوَاله على يَد الْجَاهِل وَأَيْضًا فَإِن مَعَه من مَعْرفَته بِأَمْر الله وتصديقه بوعده ووعيده وخشيته مِنْهُ ازرائه على نَفسه بارتكابه وإيمانه بِأَن الله حرمه وان لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ الى غير ذَلِك من الامور المحبوبة للرب مَا يغمر الذَّنب ويضعف اقتضائه ويزيل اثره بِخِلَاف الْجَاهِل بذلك اَوْ اكثره فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَه الا ظلمَة الْخَطِيئَة وقبحها واثارها المردية فَلَا يستوى هَذَا وَهَذَا وَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذَا الْموضع وَبِه يتَبَيَّن ان الامرين حق وانه لَا مُنَافَاة بَينهمَا وان كل وَاحِد من الْعَالم وَالْجَاهِل إِنَّمَا زَاد قبح الذَّنب مِنْهُ عى الاخر بِسَبَب جَهله وتجرد خطيئته عَمَّا يقاومها ويضعف تاثيرها ويزيل اثرها فَعَاد الْقبْح فِي الْمَوْضِعَيْنِ الى الْجَهْل وَمَا يستلزمه وقلته وَضَعفه الى الْعلم وَمَا يستلزمه وَهَذَا دَلِيل ظَاهر على شرف الْعلم وفضله وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ) .

 (2)

قال ابن تيمية في الفتاوى ج 19 ص218 :وَكَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُمْ كُلَّ مَا يَعْرِفُهُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنَّهُ دَعَاهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ : { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } . وَكَذَلِكَ النَّجَاشِيُّ هُوَ وَإِنْ كَانَ مَلِكَ النَّصَارَى فِلْم يُطِعْهُ قَوْمُهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بَلْ إنَّمَا دَخَلَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ ؛ وَلِهَذَا { لَمَّا مَاتَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ خَرَجَ بِالْمُسْلِمِينَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّهُمْ صُفُوفًا وَصَلَّى عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِهِ يَوْمَ مَاتَ وَقَالَ : إنَّ أَخًا لَكُمْ صَالِحًا مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ مَاتَ } وَكَثِيرٌ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَكْثَرِهَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِيهَا لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُهَاجِرْ وَلَمْ يُجَاهِدْ وَلَا حَجَّ الْبَيْتَ بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَا يُؤَدِّ الزَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَظْهَرُ عِنْدَ قَوْمِهِ فَيُنْكِرُونَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ مُخَالَفَتَهُمْ . وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ ..... وَالنَّجَاشِيُّ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ ؛ فَإِنَّ قَوْمَهُ لَا يُقِرُّونَهُ عَلَى ذَلِكَ وَكَثِيرًا مَا يَتَوَلَّى الرَّجُلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّتَارِ قَاضِيًا بَلْ وَإِمَامًا وَفِي نَفْسِهِ أُمُورٌ مِنْ الْعَدْلِ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بَلْ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عُودِيَ وَأُوذِيَ عَلَى بَعْضِ مَا أَقَامَهُ مِنْ الْعَدْلِ وَقِيلَ : إنَّهُ سُمَّ عَلَى ذَلِكَ . فَالنَّجَاشِيُّ وَأَمْثَالُهُ سُعَدَاءُ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَلْتَزِمُوا مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْتِزَامِهِ بَلْ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي يُمْكِنُهُمْ الْحُكْمُ بِهَا .) أهـ
(3) 

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله خيرا شيخنا و أستاذي عادل و وفقك و سددك لكل خير و أُشهد الله أني أحبك في الله منذ أيام الدراسة (مدني الثانوية بنين) أسأل الله أن يمتعك بالصحة و العافية… ��

    ردحذف
    الردود
    1. جزيت خيرا اخي همام .. و احبك الله كما احببتنا فيه

      حذف