شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الأحد، مايو 18، 2014

فاستقم كما أمرت



بسم الله ، و الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله ..و بعد
جاء الأمر بالاستقامة في سورة هود في قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الآية 112 .
المعنى الإجمالي للآية :
(فَاسْتَقِمْ ) السين والتاء للطلب كأنه قيل للنبي صلى الله عليه و سلم: اطلبْ الإِقامةَ على الدين ، كما تقول: استغفِر، أي اطلب الغفران ، و استطعِم أي اطلب الطعام ، و استهدِ أي اطلب الهداية ، ولا يعني أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالاستقامة أنه لم يكن مستقيما، بل كان في غاية الاستقامة، وإنما المقصود هو الدوام والاستمرار على ما هو عليه . وهو أمر فيه بلاغة و إيجاز ؛ لأن الاستقامة التمسك بالصراط المستقيم وهو الاسلام .
(كَما أُمِرْتَ ) مثل الاستقامة التي أُمِرت بها ، والاستقامة تتعلّق بالأقوال والأفعال والأحوال والنّيّات، فالاستقامة فيها: وقوعها للّه وباللّه، وعلى أمر اللّه  ، و قد ورد عن عمر  رضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: الاسْتقَامَة أَن تستقيم على الْأَمر وَالنَّهْي، وَلَا تروغ روغان الثعالب .
(وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) : ومن آمن معك فليستقيموا ، و الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة والذوات النقية ؛ و لذلك حصرها الله عز و جل في التائبين ، و قد أمر الله المؤمنين بالاجتهاد في تحصيلها في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) فصلت 6 . و أمر بها النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه كما جاء عن سفيان الثقفي قال:( قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: قل آمنت بالله ثم استقم )أخرجه مسلم  .
(ولا تطغوا) : خطاب مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ صَدَقَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ تابَ مَعَكَ ، وَالطُّغْيَانُ أَصْلُهُ التَّعَاظُمُ وَالْجَرَاءَةُ وَقِلَّةُ الِاكْتِرَاثِ،كما في قوله تعالى ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الْبَقَرَةِ 15 . وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَرَاءَةُ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا أُمِرُوا بِهِ، قَالَ تَعَالَى لبني إسرائيل ( كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) طه 81 ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُخَالَفَةِ أَحْكَامِ كِتَابِهِ كَمَا نَهَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. و َقَدْ شَمِلَ الطُّغْيَانُ أُصُولَ الْمَفَاسِدِ، فَكَانَتِ الْآيَةُ جَامِعَةً لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ .
 (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) أعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد، لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء ‘ و سيجازيهم على أعمالهم ، و هذا الخبر يتضمن التحذير من الجرأة على المحارم ، و التخويف من الاستهانة بالجرائم ، و التخفي بها كقوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) العلق 14، و كقوله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ  )ابراهيم 42، و كقوله تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) الزخرف 80
وقفــات و فوائــــد :
الوقفة الاولى :  مَقَام الِاسْتِقَامَةِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ ، يُرْتَقَى بِهِ لِأَعْلَى الدَّرَجَاتِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ بِهِ لِلرَّسُولِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   فِي هذه الآية ، و في قوله تعالى ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم) الشورى 15 ، وَلِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ ( قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) يونس 89 ، وَ قد مدح الله أهل الاستقامة فقال (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) 30 فصلت ، و طريق الاستقامة هو أقرب طريق موصل إلى الجنة ، كما أن الخط المستقيم هو أقرب خط يصل بين نقطتين ؛ و لذلك يطلب المؤمنون معرفته  و الثبات عليه بقولهم في كل ركعة من ركعات الصلاة بقولهم : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ  ) الفاتحة 6 ، و الصراط صراطان : صراط في الدنيا ، و صراط في الآخرة ، فمن ثبت على الصراط المستقيم في الدنيا ؛ ثبت على صراط الآخرة ، و من انحرف عن الصراط المستقيم في الدنيا ؛ انحرف عن صراط الآخرة .فعلى العبد أن يتصورهما عندما يدعو بهذا الدعاء .
الوقفة الثانية : قال ابن رجب رحمه اللّه تعالى: ( أصل الاستقامة استقامة القلب على التّوحيد، وقد فسّر أبو بكر رضي اللّه عنه الا ستقامة في قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ﴾ بأنّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة اللّه، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبّته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتّوكّل عليه، والإعراض عمّا سواه ؛ استقامت الجوارح كلّها على طاعته؛ فإنّ القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللّسان، فإنّه ترجمان القلب والمعبّر عنه ) أهـ من جامع العلوم و الحكم.
الوقفة الثالثة : حقيقة الاستقامة انها فعل ما ينبغي فعله ، و ترك ما ينبغي تركه ، فهي تشمل الدين كله ، و تنتظم كل الأوامر و النواهي.، فلها ركنان :
الأول : فعل المأمورات ؛ و هو يشمل الواجبات مثل : التوحيد و الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج ، و المستحبات مثل :صلاة النافلة و النفقة غير الواجبة و نافلة العلم .
الثاني : ترك المنهيات ؛ و هو يشمل المحرمات مثل : عقوق الوالدين و الزنا و شرب الخمر ، و المكروهات مثل : الأخذ بالشمال و الإعطاء بها
الوقفة الرابعة : الاستقامة وسط بين الافراط و التفريط و قد جاء في الآية النهي عن الإفراط بقوله تعالى (ولا تطغوا)  و هو يتضمن النهي عن التفريط لأنه يقابله ، و هي تتعلق بالعقائد والأعمال والأخلاق ؛ فإنها في العقائد اجتناب التشبيه والتأويل والتعطيل والصرف عن الظاهر و سائر انحرافات الفرق المجانبة للصواب ، وفي الأعمال الاحتراز عن الزيادة والنقصان والبدع والمحدثات والتغيير للكتاب والتبديل للسنن والتقليد للرجال وللآراء ، وفي الأخلاق التباعد عن طرفي الإفراط والتفريط وهذا في غاية العسر ؛ لذا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ وَلَا أَشَقُّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ قَالُوا لَهُ لَقَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ :  «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» الجامع الصغير: 2/ 82 ح/ 4916، وكنز العمّال: 1/ 573. وَسُئِلَ عَمَّا فِي هُودٍ فَقَالَ: ( قَوْلُهُ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) .
 الوقفة الخامسة:  الاستقامة لها موانع  ، و هي تنقسم الى قسمين :
أولا : موانع عامة (   مشتركة بين الشيب و الشباب ) و هي :
1-                  اتباع الشهوات : و هي الرغبات المركبة في النسيج البشري بمقتضى الحكمة الإلاهية ؛ حيث قال الله تعالى ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) آل عمران 14 ، و هي ضرورية لحفظ الحياة ، و الانحرف في إشباعها هو طريق الدمار الذي يُعَبِّدُه إبليس للسائرين  ، و يذلله للسالكين ، والسبب في اللهث وراءها ضعف الوازع الديني ، و التعلق بالدنيا ، و الغفلة عن الآخرة
-                    و اتباع الشهوات هو اتباع للهوى الذي يصد عن الحق ، قال تعالى (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) القصص 50 . و هو الذي منع أهل الكتاب من اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، و منع من المشركين من الاستجابة بعدما تبين لهم الحق ، و دفع أتباع مسيلمة أن يقولوا : كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر .
-         و من آثار اتباع الشهوات : الاستهانة بالصغائر مثل الكلمة المحرمة و النظرة المحرمة و اللقمة المحرمة و نحوها ، و الإصرار على الكبائر مثل الكذب و شرب الخمر و الزنا و نحوها .
2-      التأثر بالشبهات : و هي الأفكار الهدامة ، و المناهج المنحرفة التي يزينها شياطين الإنس و الجن ، و يروجون لها عبر الوسائل المختلفة و الوسائط المتنوعة  و هي من بنات أفكارهم الساقطة ، و أوهامهم الابليسية ، قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الأنعام 112.
-         و من آثار الشبهات : التشكيك في الخالق عز و جل ، و الدعوة إلى الإلحاد ، و  المناداة بفصل الدين عن الدولة ، و الترويج لخروج المرأة و تبرجها و اختلاطها بالرجال تحت مسمى تحرير المرأة و باسم الحضارة و الثقافة و الرشاقة ، و الطعن في السنة أو في حملتها من الصحابة و العلماء ، و الدعوة الى التفسير العصري و تجديد الفقه و اصوله ، و التشكيك في حجية السنة ، و غير ذلك من الشبهات .
ثانيا : موانع خاصة ( للشباب) و هي :
1-                  تراجع دور الأُسرة : و هي المحضن الأول للتربية ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 6)  التحريم ، و من وسائل تحصين الاسرة للشباب و معاونتهم على الاستقامة :
-                     ربطهم بالله سبحانه قال لقمان لابنه ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) لقمان 16.
-           الدعاء لهم ، قال تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )  
-                      إطابة مطعمهم لأن كل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به .
-                     توجيههم إلى العلم النافع والعمل الصالح : قالت أم سفيان الثوري له : يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي ، وابن حجر العسقلاني الذي ألف لابنه ( بلوغ المرام من أدلة الأحكام ) ليحفظه ، وفرغ منه ولولده نحو ثلاث عشرة سنة .
-                     متابعتهم في أمورهم الكبيرة والصغيرة  ، و صداقاتهم و علاقاتهم الاجتماعية ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : ( كلكم  راع وكلكم مسؤول عن رعيته )
-                     تلبية متطلبات الفطرة والغريزة قال قتادة بن دعامة السدوسي: كان يُقال إذا بلغ الغلامُ فلم يزوِّجْه أبوه فأصابَ فاحشةً أثم الأبُ.
·         و الاسرة لها حالات :
الاولى : أن تكون الأسرة مستقيمة ( الآباء و الأبناء على استقامة ) لكنها متساهلة في المراقبة ، مقصرة في الرعاية ، و هذه عرضة للانحراف .
الثانية :  أن تكون الأسرة  منحرفة مفككة ( الآباء و الأبناء على انحراف ) ؛ فتخرج الأجيال الفاسدة ، و تصدر الفساد .
الثالثة : أن يكون الآباء على انحراف و الأبناء على استقامة ، فيكونون عقبة أمام أبنائهم الحريصين على الاستقامة ، و من أمثلة ذلك أسرة ابراهيم عليه السلام  ؛ فقد كان أبوه على الشرك و الضلال .
الرابعة : أن يكون الآباء على استقامة و الأبناء على انحراف  ، فيكون هذا امتحانا للآباء ، و من أمثلة ذلك أسرة نوح عليه السلام ؛ فقد كان ولده من الكافرين .
2-      تراجع دور المدرسة : و هي المحضن الثاني للتربية ؛ حيث يكون فيها التعليم و الإرشاد و التشجيع و تنمية المواهب و القدرات ، لكنها تحتاج إلى المعلم القدوة المخلص في عمله الذي يحسن التعامل و ينتقي الكلمات و يستثمر المواقف و من أمثلة ذلك :
-         قال أحد النبهاء وقد مر على شاب يلعب حارساً لمرمى فريقه ، كل اهتمامه حراسة المرمى لا يعرف إلا ذلك ، ولا يعيش إلا له ، فقال له عبارة تخير لفظها قال : " أسأل الله أن أراك حارساً لمرمى الإسـلام من أعدائه " فاستولى عليه المعنى ، وأسَرَتْه العبارة وترك ما هو فيه ، وأقبل على دينه ، وأصبح من الدعاة المعروفين . - كان البخاري في حلقة إسحاق بن راهويه فقال لو أن أحدكم يجمع كتابا فيما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم جملة واحدة !! قالها إسحاق فوقع ذلك في نفس البخاري فصنف هذا الكتاب الذي خلد التاريخ اسمه .
ب ـ الإمام الزهري عن الإمام البِرزالي إنه لما رأى خطه قال له : إن خطك هذا يشبه خط المحدثين . قال فحبب الله لي علم الحديث .
 3- وسائل الإعلام :تميز الإعلام المعاصر بالجاذبية و التشويق و التنوع و الكثرة و السهولة ؛ و لذا أصبح سلاحا خطيرا يقود إلى الإنحراف ، و يدمر الأخلاق إن أسيئ استخدامه ،و هو الآن أهم عضو في الأسرة ، و له آثار سيئة في العقيدة و الأخلاق و الثقافة و الأمن و الصحة و غيرها من المجالات ، و من أشهر أدواته التي انشغل بها الشباب : الفيسبوك و الواتساب و اليوتيوب و القنوات الفضائية ، و أكثرهم يسيئون التعامل معه ، لقلة الوعي بمخاطره ، و الجهل بمخططات الأعداء ، و ضعف الوازع الديني ، فكان معولا هداما بأيدي أعدائنا ، و أعظم أدواته خطرا حزمة قنوات الـ (MBC) ، التي تخصصت في نشر الثقافة الأمريكية ، و تمجيد الحضارة الغربية ، و الترويج لكل قبيح ؛ مع أن مالكيها من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا .
 4- الفراغ والبطالة : و من آثارها ضياع الوقت و إهدار العمر ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :  ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ) اخرجه البخاري ، و عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: ( اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) أخرجه الحاكم ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، و الفراغ من أسباب التفكير في المعاصي و الانحراف ، و الصحة تعين على ذلك .
5- قرنـاء السُّـوء : فهم يزينون الشر ، و يحسنون القبيح ، و قد بين الله ضرر قرين السوء فقال (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا  ) الفرقان 27-29، و يتفرع عن ذلك:
-                     القدوات السيئة من المنحرفين : من اللاعبين و  اللاعبات ، و الراقصين و الراقصات ، و الممثلين و الممثلات ، من الأحياء أو من الأموات ، فقد امتلأت بهم المواقع ، و تلوثت بهم القنوات ، و ضجت منهم المجتمعات .
-                     القدوات السيئة من المتدينين : أعني بهم بعض الشباب المنتسبين إلى السنة من أهل الغلو و التنطع ، و دعاة الطعن و التجريح ، الذين يشوهون طريق الاستقامة ، و يتطاولون على الدعاة ، شعارهم القسوة ، و منهجهم الغلظة ، مع قلة في العلم ، و سوء في الفهم .
6- طول الأمل : حيث يغتر الشاب بقوته ، و يخدع بشبابه و صحته فيسيئ العمل ، حتى يهجم عليه الموت و قد يكون على أسوأ حال ،  و يخرج من الدنيا على اقبح خاتمة ، و لله در القائل :
 تزود من التــــقوى فإنك لا تدري * إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا * وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
كم من عروس زينوها لزوجــــــها * وقد قبضت أرواحهم ليلة القــــدر
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم * وقد أدخلت أجسادهم ظلمــة القبر
وكم من صحيح مات من غير علة *  وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
من مراجع هذه الرسالة :
      -  (التحرير و التنوير) لابن عاشور
-         (فتح القدير) للشوكاني
-         (صفوة التفاسير) لمحمد علي الصابوني
-         (جامع العلوم و الحكم ) لابن رجب الحنبلي