شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

السبت، أغسطس 04، 2012

القياس في العبادات


بحث بعنوان (القياس في العبادات)
الاستاذ عادل عبد الوهاب

قضية العبادة من القضايا الاساسية في حياة المسلم ومن السمات الجوهرية في وجدانه لانها الغاية من خلقه حيث قال الله تعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) ومن القواعد الاساسية المتعلقة بالعبادة ان العبادات توقيفية مبنية على النص واختلف العلماء في حكم قياس العبادات بعضها على بعض بين مبيح وحاظر ومفصل فجاءت هذه الدراسة لتوضح ببساطة حكم هذه المسالة بعيدا عن التعقيد المضل اوالتطويل الممل او الاختصار المخل .

أهمية الدراسة وغرضها :
في حياتنا المعاصرة ظهرت كثير من المستجدات وبرزت الى الوجود كثير من القضايا في شتى المجالات و من اهمها ما يتعلق بالعبادات البدنية والمالية وغيرها و ما زالت عجلة الحياة متسارعة والمستجدات متكاثرة والنصوص محدودة ومن هنا برزت اهمية هذه الدراسة المتعلقة بقضية القياس في العبادات وهل هو جائز كما اشار بعض العلماء ام ممنوع كما ذكر كثير منهم ام ان هناك ضوابط وشروط لابد من توفرها و ما هي هذه الضوابط والشروط !
مشكلة الدراسة:
تتركز مشكلة الدراسة في قضيتين اساسيتين :
الاولى : حقيقة القياس في العبادات ومفهومه .
الثانية : حكم القياس في العبادات وتوضيح ذلك بالادلة والبراهين واقوال اهل العلم .
المنهج المتبع في الدراسة :
اتبع الباحث المنهج الاستقرائي القائم على تتبع النصوص من القران الكريم و السنة النبوية المطهرة واقوال اهل العلم ثم الخروج بنتيجة وخلاصة .
الدراسات السابقة :
وقف الباحث على اثنين من تلك الدراسات هي:
الدراسة الاولى : القيا س في العبادات حكمه واثره ، رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية (الماجستير) ، تاليف محمد منظور الهي ،الطبعة الاولى 1424 هـ ، مكتبة الرشد .حيث توسع الباحث في تعريف القياس وحجتيه والرد على منكريه ، وكذلك بيان خصائص العبادات واقسامها وما يلحق بها من الحدود والكفارات وغيرها وقد توصل الى انه يجوز القياس في العبادات اذا توفرت جميع شروط القياس .
الدراسة الثانية : ( القياس في العبادات والكفارات و الحدود و الرخص) للشيخ علي بن سلطان الجلابنة ، نشر في ملتقى اهل الحديث على الشبكة العنكبوتية في العام 1429هـ وتو صل الباحث الى ان القياس في العبادات يجري ولكن في حدود ضيقة اذا علمت العلة وذلك في فروع العبادات لا في اصولها .
 وقد استفدت كثيرا من بحث (القياس في العبادات) ، اصدار دار الافتاء المصرية ، ونقلت منه كثيرا في هذا البحث .
هيكلة البحث(مخطط البحث) :
جاء هذا البحث في مقدمة و مبحثين و خاتمة .
المقدمة اشتملت على اهمية الدراسة ، ومشكلتها ، والمنهج المتبع في البحث ، والدراسات السابقة ، و مخطط البحث الذي جاء في مبحثين على النحو التالي :
المبحث الاول بعنوان (القياس وار كانه ) ويشتمل على مطلبين ، المطلب الاول بعنوان (تعريف القياس) ، و المطلب الثاني بعنوان (اركان القياس) .
اما المبحث الثاني فهو بعنوان (حقيقية القياس في العبادات وحكمه) ويشتمل على ثلاثة مطالب ، المطلب الاول بعنوان (تعريف العبادات ) ، والمطلب الثاني بعنوان (مفهوم القياس في العبادات) ، والمطلب الثالث بعنوان (حكم القياس في العبادات) .
اما الخاتمة ففيها خلاصة البحث واهم النتائج .

المبحث الاول
القياس وار كانه
يشتمل على مطلبين
المطلب الاول : (تعريف القياس)
المطلب الثاني : (اركان القياس) .



المطلب الاول : (تعريف القياس)
القياس: يطلق لغة على: التقدير، أي: تقدير الشيء بغيره، كقولهم: "قست الثوب بالذراع"، ويطلق أيضا على: المساواة بين شيئين، سواء أكانت المساواة معنوية، كقولهم: "فلان لا يقاس بفلان"، أم حسية، كقولهم: "قست الثوب بالثوب"[1]
واصطلاحا: "إثباتُ مثلِ حكمِ معلومٍ فى معلومٍ آخرَ لاشتراكهما في عِلَّة الحكم عند المثبِت"
[2]



المطلب الثاني : (اركان القياس) .
القياس له أركان أربعة
الركن الأول: الأصل، وهو المقيس عليه، ويشترط في الأصل: أن يثبت بالنص، والنص: كتاب أو سنة أو إجماع.
الركن الثاني: الفرع، وهو المقيس الذي نقيسه على الأصل.
الركن الثالث: الحكم، والمراد به الأحكام الخمسة: واجب أو محرم...، فالمراد الحكم الذي اقتضاه الدليل الشرعي، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب ربا إلا مثلاً بمثل يداً بيد) فهذا معناه: أن الذهب بالذهب مع التفاضل أو عدم التقابض ربا. فيكون حكمه هنا أنه حرام، فيكون الحكم هو: ما اقتضاه الدليل الشرعي من إباحة أو استحباب أو تحريم أو وجوب.
 الركن الرابع: العلة، وهي الوصف المناسب الذي من أجله وجد الحكم طرداً وعكساً. كأن تقول مثلاً: حرمت الخمر للونها الأصفر، يعني: لو وجدت خمر لونها أحمر أو أبيض فهل تحل؟ لا تحل، بل هي محرمة، إذاً: هذه ليست علة؛ لأن العلة تكون وجوداً وعدماً طرداً وعكساً، والوصف المناسب هو الإسكار، فالإسكار هو العلة لتحريم الخمر. ومعنى: (طرداً وعكساً) أي: إذا وجد الإسكار وجد التحريم، وإذا انتفى الإسكار انتفى التحريم. فمثلاً: الخمر محرمة بالنص، قال تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] إلى أن قال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] إذاً: ثبت التحريم بالكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سيأتي زمان على أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام وكل مسكر خمر). فالمقصود: أن الخمر أصل ثبت تحريمه بالكتاب والسنة. والفرع: البيرة، إذ أنها ليست ثابتة لا بالكتاب ولا بالسنة، فهذا الفرع نريد أن نلحقه بالأصل، ونسويه به في الحكم، وهو الحرمة، فيكون حكم بيع البيرة أو شرب البيرة أو شراء البيرة حرام. فاستنتجنا هذا الحكم بجامع العلة، وهي الإسكار. فإن قيل: قد يشرب رجل زجاجة كبيرة فلا يسكر؟ فالجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيرة فقليلة حرام) إذاً: قليله حرام؛ لأن كثيره مسكر؛ فهذا تطبيق عملي للأركان الأربعة، وكيفية إلحاق الفرع بحكم الأصل. فإذا قيل: الخمر أصل، وعصير الموز فرع، فهل يلحق به؟ فنقول: إن عصير الموز لا يسكر، فالعلة منتفية فلا يلحق به. وإذا قلنا: الخمر أصل، وماء الشعير فرع، فهل يمكن أن ألحق هذا الفرع بالأصل؟ فالجواب: لو تحققت علة الإسكار نلحقها بالخمر، فإن لم تحقق فإن الأصل في الأشياء الحل؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168] فـ(ما) صيغة من صيغ العموم، فكل ما في الأرض حلال طيب، إلا ما فصل لكم وحرم عليكم فإنه يكون حراماً.[3]


المبحث الثاني
(حقيقة القياس في العبادات وحكمه)
يشتمل على ثلاثة مطالب ،
المطلب الاول  : (تعريف العبادات )
المطلب الثاني : (مفهوم القياس في العبادات)
المطلب الثالث : (حكم القياس في العبادات) .



المطلب الاول  : (تعريف العبادات )
العبادات لغة هي من "عَبَدَ" ، وهو بَين العُبُوْدَةِ والعُبودِية ...
واسْتَعْبَده واعْتَبَدَه وأعْبَده : اتخَذَه عَبْداً ، وعَبَدْت اللهَ عِبَادةً. والمُتَعَبدُ: المُتَفَرد بالعِبَادة".[4]
وفي الاصطلاح: "العبادات" هي جمع "عبادة" ، عرفها شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقال: " العبادة " هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه : من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة ؛ وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .... وأمثال ذلك [5]"
وقد فرَّق بعض العلماء بين العبادة والقُرْبة والطاعة والتعبد، فيقول ابن عابدين - رحمه الله تعالى- نقلا عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري - رحمه الله تعالى - مع زيادة توضيح منه وشرح: "الطاعة: فِعْلُ ما يُثاب عليه، تَوقَّفَ على نيَّةٍ أو لا، عُرِفَ مَن يَفْعَلُه لأجله أو لا. والقُرْبة: فِعْلُ ما يُثاب عليه بعد معرفة مَنْ يُتَقَرَّب إليه به، وإن لم يَتَوقَّف على نيةٍ. والعبادة: ما يُثاب على فِعْلِه، ويَتَوقَّف على نيةٍ. فنحو: الصلوات الخمس، والصوم، والزكاة، والحج – ونحوها مِن كُلِّ ما يتوقَّف على النية - قُرْبَة وطاعة وعبادة. وقراءة القرآن والوقف والعِتق والصدقة - ونحوها مما لا يتوقَّف على نية- قُرْبَة وطاعة، لا عبادة. والنظر المؤدِّي إلى معرفة الله تعالى- طاعة، لا قُرْبَة ولا عبادة"[6]
وإذا أطلقنا كلمة "العبادات" فإنه يدخل فيها ما يُسمَّى بـ"أصول العبادات"، وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك يدخل في العبادات ما يلتحق بهذه الأركان من عبادات، وتسمى فروعا لهذه العبادات، كأحكام الطهارة، والأذان، وأنصبة الزكوات، والاعتكاف، والعمرة، وغيرها.
فأصول العبادات: أعظمها وأدخلها في التعبد كالصلاة، بخلاف نحو الكفارة.[7]
 
المطلب الثاني : (مفهوم القياس في العبادات)

القياس في العبادات إنما يجري عند تعقل معناها، وكون هذا المعنى هو المقصود بشرع حكم الأصل، فيُجْعَلُ ذلك المعنى المتعقل وصفا جامعًا، بحيث يصبح هو العلة التي ينبني عليها القياس، ثم بالقياس على حكم الأصل يَتِمُّ تعديته إلى الفرع - مع استكمال شروط القياس- التي لم يُنَص على الحكم فيه، يقول الزركشي: "كلُّ حُكْمٍ شرعيٍّ أمْكن تعليلُه يجري القياسُ فيه"[8]
فالقياس لا يجري فيما لا يعقل معناه من العبادات وغيرها؛ لأن القياس فرْعٌ عن تعقل المعنى، فما لا يدرك معناه يصبح تعبديًّا لا يجري القياس فيه. ولم يعرف في تمييز التعبديات عن غيرها من الأحكام المعللة وجه معين، غير العجز عن التعليل بطريق من الطرق المعتبرة، على ما هو معلوم في مباحث القياس من علم الأصول، ولذلك يقول ابن عابدين: ما شرعه الله إن ظهرت لنا حكمته، قلنا: إنه معقول المعنى، وإلا قلنا: إنه تعبدي. ومن هنا اختلفت أقوال الفقهاء في اعتبار بعض الأحكام تعبديا أو معقول المعنى، فما يراه بعض الفقهاء تعبديا قد يراه البعض الآخر معللا بمصالح غلب على ظنه رعايتها.
[9]
فيحصل من هذا أن ما كان تعبديا لا يعقل معناه لا يجري فيه القياس، وما كان معقول المعنى جرى فيه القياس ولا يكون تعبديًّا، سواء كان ذلك في العبادات أو غيرها. وربما كان القول بالتعبد في أمر ما من حيث المجموع، ولا يمنع ذلك من القياس في بعض تفاصيله أو في بعض ما تضمنه من فروع، ((وقال بعضهم: الأحكام الضمنية لا تعلل، لأن الإنسان إذا سافر إلى بلد لزم منه نقل الأقدام وقطع المسافات، ثم إنه لا يعلل لعدم خطوره بباله، وهذا صحيح في حق الإنسان، فأما في أحكام الشرع فلا، لأن الشارع للأحكام لا تخفى عليه خافية فتحقق شرائط الإضافة إلى المصالح مُضَافٌ ومُعَلَّلٌ ؛ لأن شرط الإضافة ليس إلا العلم والخطور بالبال))
[10]

المطلب الثالث : (حكم القياس في العبادات) .

اختلف العلماء في تعليل العبادات والقياس عليها على مذهبين:
الاول : مذهب الحنفية هو المنع في أصول العبادات، يقول الشيخ الأسمندي الحنفي : "اختلف الناس في إثبات أصول العبادات وغيرها من المقدرات - كالحدود والكفَّارات - بالقياس: فذهب الكرخي وجملة من المتكلمين إلى المنع منه، وحكاه الكرخي عن أبي حنيفة رحمه الله"[11]
الثاني : ذهب الشافعي وأصحابه إلى جواز القياس فيما كان معقول المعنى مطلقا سواء كان في العبادات أو غيرها، ومنع القياس في غير معقول المعنى مطلقا، وهو مذهب جمهور الأصوليين، واختاره الإمام الرازي وأتباعه، والتاج السبكي ، ولهذا يتفق الشافعية مع المانعين في أن ما كان كأعداد الركعات فغير معقول المعنى فلذلك لا يمكن استنباط علة منها، وكل ما كان غير معقول المعنى لا يصح القياس عليه لعدم معرفة العلة ، فمن شرط القياس عندهم أن لا يكون المقيس عليه تعبديا، والأمور التعبدية لا يدخلها القياس.[12]
ويذكر الحنابلة أن من شروط القياس أن يكون الحكم معقول المعنى ؛ إذ القياس إنما هو تعدية الحكم من محل إلى محل بواسطة تعدي المقتضي، وما لا يعقل معناه كأوقات الصلوات وعدد الركعات لا يوقف فيه على المعنى المقتضي، ولا يعلم تعديه، فلا يمكن تعدية الحكم فيه(
[52]).
اما مذهب الجمهور:
فقد تناول إمام الحرمين هذه القضية بتوسع، ومما قاله: ((نقل أصحاب المقالات عن أصحاب أبي حنيفة أنهم لا يرون إجراء القياس في الحدود والكفارات والتقديرات والرخص، وكل معدول به عن القياس. وتتبع الشافعي مذاهبهم، وأبان أنهم لم يفوا بشيء من ذلك – ثم ذكر أمثلة لما أجروا فيه القياس في الحدود والكفارات والرخص -... وقد وضح بما قدمناه ما يعلل وما لا يعلل، ونحن نتخذ تلك الأصول معتبرنا في النفي والإثبات، فإن جرت مسالك التعليل في النفي والإثبات أجريناها، وإن انسدت حكمنا بنفي التعليل، ولا يختص ذلك بهذه الأبواب، والتعليل قد يمتنع بنص الشارع على وجوب الاقتصار، وإن كان لولا النص أمكن التعليل، وهو كقوله تعالى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50]، وقال عليه الصلاة والسلام: إنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها كيوم خلق الله السموات والأرض .[13] فمهما منعنا نص من القياس امتنعنا، وكذلك لو فرض إجماع على هذا النحو، وهو كالاتفاق على أن المريض لا يقصر، وإن ساوى المسافر في الفطر، فإن لم يكن منع من هذه الجهات فالمتبع في جواز القياس إمكانه عند الشرائط المضبوطة فيه، والمتبع في منعه امتناعه وعدم تأتيه على ما يشترط فيه))، ثم يذكر إمام الحرمين أن هناك أبوابا يجري فيها القياس في بعض أحكامها، ويمتنع في بعضها، كالكتابة والنكاح والإجارة والقراض والمساقاة، قال: ((وحق الناظر أن يتدبر هذه المواقف، ويتبين المواقع التي يجري فيها القياس، والمواقف التي يقف عندها، ولا يطرد فيها القياس نظرا إلى محل الوقف، وكذلك لا يطلق إثباتا نظرا إلى المحل المنقاس، وكل كلام مفصل في موضع، فإطلاق النفي والإثبات فيه خلف...))، ثم أفاض في بيان ذلك، ثم ذكر تقاسيم العلل والأصول وأنها خمسة أقسام: ((أحدها ما يعقل معناه وهو أصل... والضرب الخامس من الأصول: ما لا يلوح فيه للمستنبط معنى أصلا ولا مقتضى ضرورة أو حاجة، أو استحثاث على مكرمة، وهذا يندر تصويره جدا، فإنه وإن امتنع استنباط معنى جزئي، فلا يمتنع تخيله كليا، ومثال هذا القسم العبادات البدنية المحضة، فإنه لا يتعلق بها أغراض دفعية ولا نفعية، ولكن لا يبعد أن يقال: تواصل الوظائف يديم مرون العباد على حكم الانقياد، وتجديد العهد بذكر الله تعالى ينهى عن الفحشاء والمنكر، ثم إذا انتهى الكلام في هذا القسم إلى تقديرات كأعداد الركعات وما في معناها لم يطمع القايس في استنباط معنى يقتضى التقدير فيما لا ينقاس أصله... فالعبادات البدنية التي لا يلوح فيها معنى مخصوص ولكن يتخيل فيها أمور كلية تحمل عليها المثابرة على وظائف الخيرات، فهذه أمور كلية لا ننكر على الجملة أنها غرض الشارع في التعبد بالعبادات البدنية... وهذا فن لا يضبطه القياس، والأمر فيه محال على أسرار الغيوب... فأما ما يثبت برسم الشارع، ولم يكن معقول المعنى فلا يسوغ القياس فيه، وهذا كورود الشرع بالتكبير عند التحريم، والتسليم عند التحليل، ومن هذا القبيل اتحاد الركوع وتعدد السجود، فمن أراد أن يعتبر غير التكبير بالتكبير مصيرا إلى أنه تمجيد وتعظيم فقد بعد بعدا عظيما))[14]
فالجمهور – كما يتضح من كلام إمام الحرمين - لا يجرون القياس في العبادات أو في غيرها مطلقا، ولا يمنعونه مطلقا، بل لهم في إجرائه شروط، كما أنهم يتفقون مع المانعين في بعض الصور لا يجري فيها القياس، وهي الأعداد والتقديرات التي نص عليها الشرع.



الخاتمة :
خلاصة ما سبق ان العلماء اختلفوا في صحة القياس في العبادات ومنشأ هذا الخلاف هو اختلافهم في كون العبادات معقولة المعنى فيجوز إجراء القياس فيها، أو هي غير معقولة المعنى فلا يجوز إجراء القياس فيها؟ مع اتفاق الكل – على ما يظهر من نصوصهم التي تقدم بعضها – على أن معقول المعنى يجري فيه القفياس، وغير معقول المعنى يمنع فيه القياس، وإنما اختلفوا في أفراد ذلك، هل هو من معقول المعنى فيجري فيه القياس، أو غير معقول المعنى فلا يجري فيه القياس.
فالمانعون يرون أن العبادات غير معقولة المعنى فلا تعلل، وحيث إنها لا تعلل فلا يجوز إجراء القياس فيها،
والمجوزون يرون أنها معقولة المعنى في كثير من أحكامها، فيجوز تعليلها وإجراء القياس فيها كغيرها.
وهذا هو مذهب الجمهور وهو الراجح ان شاء الله تعالى .



المراجع :
1- ابن منظور ، لسان العرب .
2- جمال الدين الإسنوي ، نهاية السول شرح منهاج الوصول مع حاشية المطيعى
3- الصاحب بن عباد ، المحيط في اللغة ، مصدر الكتاب : موقع الوراق http://www.alwarraq.com
4-  ابن تيمية ، مجموع الفتاوى .
5-  ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار.
6-  حاشية الشربيني على شرح جمع الجوامع .
7-  الزركشي ، البحر المحيط .
8-  حاشية ابن عابدين .
9-  سنن النسائي.
10-  إمام الحرمين ، البرهان.
11- محمد منظور الهي ، القيا س في العبادات حكمه واثره .
12- علي بن سلطان الجلابنة ، القياس في العبادات والكفارات و الحدود و الرخص .
13- دارالافتاء المصرية ، القياس في العبادات .





[1] ابن منظور ، لسان العرب ، مادة ( ق ي س ) .
[2] جمال الدين الإسنوي ، نهاية السول شرح منهاج الوصول مع حاشية المطيعى ج4 ص2.
[3] محاضرة للشيخ علي حسن عبد الغفار من موقع (طلاب الازهر)
[4] الصاحب بن عباد ، المحيط في اللغة ، مصدر الكتاب : موقع الوراق http://www.alwarraq.com
[5]  ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ، ج 10  ص 149
[6] رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ج1 ص72
[7] حاشية الشربيني على شرح جمع الجوامع ج2 ص136
[8] البحر المحيط، الزركشي، ج7 ص90
[9] حاشية ابن عابدين ج1 ص301
[10] البحر المحيط ج 6 ص389
[11] بذل النظر في الأصول، الأسمندي، ص (623)
[12] روضة الناظر (1/317)
[13] سنن النسائي (5/225) حديث رقم (2886) ولفظه: ((إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ)).
[14] البرهان، لإمام الحرمين، (2/895 - 964)، باختصار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق