شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الخميس، ديسمبر 31، 2015

رأس سنتهم و عقيدتنا


اليوم العربي و اليوم الغربي


حقيقة بابا نوبل و شجرة الميلاد


راس السنة و استقلال السودان


معلومة معبرة و قصيدة مؤثرة


السبت، ديسمبر 26، 2015

مراتب الهجر و درجات التفسير للفرآن الكريم


حقيقة منهج اهل السنة و الجماعة و سر تمسكهم بفهم السلف الصالح


اسئلة منطقية للمحتفلين بمولد خير البرية


نقاش و حوار مع المحتفلين بمولد المصطفى المختار


وقفات مهمة مع المحتفلين بمولد قائد الامة


السبت، سبتمبر 26، 2015

معنى التلبية و فوائدها

قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏
‏في معنى التلبية ثمانيه أقوال : ‏
‏أحدهما : إجابة لك بعد إجابة , ولهذا المعنى كررت التلبية . إيذانا بتكرير الإجابة . ‏
‏الثاني : أنه انقياد , من قولهم لبب الرجل , إذا قبضت على تلابيبه , ومنه : لببته بردائه . والمعنى : انقدت لك , وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة , كما يفعل بمن لبب بردائه , وقبض على تلابيبه . ‏
‏الثالث : أنه من لب بالمكان , إذا قام به ولزمه . والمعنى : أنا مقيم على طاعتك ملازم لها . اختاره صاحب الصحاح . ‏
‏الرابع : أنه من قولهم : داري تلب دارك , أي تواجهها وتقابلها , أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك . حكاه في الصحاح عن الخليل . ‏
‏الخامس : معناه حبا لك بعد حب , من قولهم . امرأة لبة , إذا كانت محبة لولدها . ‏
‏السادس : أنه مأخوذ من لب الشيء , وهو خالصه , ومنه لب الطعام , ولب الرجل عقله وقلبه . ومعناه : أخلصت لبي وقلبي لك , وجعلت لك لبي وخالصتي . ‏
‏السابع : أنه من قولهم : فلان رخي اللبب , وفي لبب رخي , أي في حال واسعة منشرح الصدر . ومعناه : إني منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها , متوجه إليك بلبب رخي , يوجد المحب إلى محبوبه , لا بكره ولا تكلف . ‏
‏الثامن : أنه من الإلباب , وهو الاقتراب , أي اقترابا إليك بعد اقتراب , كما يتقرب المحب من محبوبه . ‏
‏و " سعديك " : من المساعدة , وهي المطاوعة . ومعناه : مساعدة في طاعتك وما تحب بعد مساعدة . قال الحربي : ولم يسمع " سعديك " مفردا . ‏
‏و " الرغباء إليك " يقال بفتح الراء مع المد , وبضمها مع القصر . ومعناها الطلب والمسألة والرغبة . ‏
‏واختلف النحاة في الياء في " لبيك " . فقال سيبويه : هي ياء التثنية . ‏
‏وهو من الملتزم نصبه على المصدر , كقولهم : حمدا وشكرا وكرامة ومسرة . والتزموا تثنيته إيذانا بتكرير معناه واستدامته . والتزموا إضافته إلى ضمير المخاطب لما خصوه بإجابة الداعي . وقد جاء إضافته إلى ضمير الغائب نادرا , كقول الشاعر : ‏ ‏دعوت لما نابني مسورا ‏ ‏فلبى فلبى يدي مسور ‏ ‏والتثنية فيه كالتثنية في قوله تعالى { ثم ارجع البصر كرتين } وليس المراد مما يشفع الواحد فقط . وكذلك " سعديك ودواليك " . ‏
‏وقال يونس : هو مفرد , والباء فيه مثل عليك وإليك ولديك . ‏
‏ومن حجة سيبويه على يونس : أن " على " و " إلى " يختلفان بحسب الإضافة , فإن جرا مضمرا كانا بالياء , وإن جرا ظاهرا كانا بالألف . فلو كان " لبيك " كذلك لما كان بالياء في جميع أحواله سواء أضيف إلى ظاهر أو مضمر , كما قال : فلبي يدي مسور . وقالت طائفة من النحاة : أصل الكلمة لبا لبا , أي إجابة بعد إجابة , فثقل عليهم تكرار الكلمة , فجمعوا بين اللفظين ليكون أخف عليهم , فجاءت التثنية وحذف التنوين لأجل الإضافة . ‏
‏وقد اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة : ‏
‏إحداها : أن قولك " لبيك " يتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك , ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه . ‏
‏الثانية : أنها تتضمن المحبة كما تقدم , ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه , ولهذا قيل في معناها : أنا مواجه لك بما تحب , وأنها من قولهم : امرأة لبة , أي محبة لولدها . ‏
‏الثالثة : أنها تتضمن التزام دوام العبودية , ولهذا قيل : هي من الإقامة , أي أنا مقيم على طاعتك . ‏
‏الرابعة : أنها تتضمن الخضوع والذل , أي خضوعا بعد خضوع , من قولهم . أنا ملب بين يديك , أي خاضع ذليل . ‏
‏الخامسة : أنها تتضمن الإخلاص , ولهذا قيل . إنها من اللب , وهو الخالص . ‏
‏السادسة : أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى , إذ يستحيل أن يقول الرجل لبيك لمن لا يسمع دعاءه . ‏
‏السابعة : أنها تتضمن التقرب من الله , ولهذا قيل . إنها من الإلباب , وهو التقرب . ‏
‏الثامنة : أنها جعلت في الإحرام شعارا لانتقال من حال إلى حال , ومن منسك إلى منسك , كما جعل التكبير في الصلاة سبعا , للانتقال من ركن إلى ركن , ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف , فيقطع التلبية , ثم إذا سار لبى حتى يقف بعرفة فيقطعها ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ثم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة . فيقطعه فالتلبية شعار الحج والتنقل في أعمال المناسك , فالحاج كلما انتقل من ركن إلى ركن قال : " لبيك اللهم لبيك " كما أن المصلي يقول في انتقاله من ركن إلى ركن " الله أكبر " فإذا حل من نسكه قطعها , كما يكون سلام المصلي قاطعا لتكبيره . ‏
‏التاسعة : أنها شعار لتوحيد ملة إبراهيم , الذي هو روح الحج ومقصده , بل روح العبادات كلها والمقصود منها . ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها . ‏
‏العاشرة : أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه , وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له . ‏
‏الحادية عشرة : أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله , وأول من يدعى إلى الجنة أهله , وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها . ‏
‏الثانية عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها , ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق , أي النعم كلها لك , وأنت موليها والمنعم بها . ‏
‏الثالثة عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده , فلا ملك على الحقيقة لغيره . ‏
‏الرابعة عشرة : أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بإن المقتضية تحقيق الخبر وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولا شك . ‏
‏الخامسة عشرة : في " إن " وجهان : فتحها وكسرها , فمن فتحها تضمنت معنى التعليل , أي لبيك الحمد والنعمة لك , ومن كسرها كانت جملة مستقلة مستأنفة , تتضمن ابتداء الثناء على الله , والثناء إذا كثرت جمله وتعددت كان أحسن من قلتها , وأما إذا فتحت فإنها بلام التعليل المحذوفة معها قياسا , والمعنى لبيك لأن الحمد لك والفرق بين أن تكون جمل الثناء علة لغيرها وبين أن تكون مستقلة مرادة لنفسها , ولهذا قال ثعلب : من قال " إن " بالكسر فقد عم , ومن قال : " أن " بالفتح فقد خص . ونظير هذين الوجهين والتعليلين والترجيح سواء قوله تعالى حكاية عن المؤمنين { إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم } كسر " إن " وفتحها . فمن فتح كان المعنى : " ندعوه لأنه هو البر الرحيم " ومن كسر كان الكلام جملتين , إحدهما قوله " ندعوه " , ثم استأنف فقال " إنه هو البر الرحيم , قال أبو عبيد " : والكسر أحسن , ورجحه بما ذكرناه . ‏
‏السادسة عشرة : أنها متضمنة للإخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عز وجل , وهذا نوع آخر من الثناء عليه , غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العلية , فله سبحانه من أوصافه العلى نوعا ثناء , نوع متعلق بكل صفة على انفرادها , ونوع متعلق باجتماعها وهو كمال مع كمال وهو عامة الكمال , والله سبحانه يفرق في صفاته بين الملك والحمد , وسوغ هذا المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال والملك وحده كمال , والحمد كمال واقتران أحدهما بالآخر كمال , فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته , كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله , وكان في ذكر الحمد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه , والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبها , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . ونظير هذا اقتران الغنى بالكرم , كقوله : { فإن ربي غني كريم } فله كمال من غناه وكرمه , ومن اقتران أحدهما بالآخر . ‏
‏ونظيره اقتران العزة بالرحمة : { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } . ‏
‏ونظيره اقتران العفو بالقدرة : { وكان الله عفوا قديرا } . ‏
‏ونظيره اقتران العلم بالحلم : { والله عليم حليم } . ‏
‏ونظيره اقتران الرحمة بالقدرة : { والله قدير والله غفور رحيم } . ‏
‏وهذا يطلع ذا اللب على رياض من العلم أنيقات , ويفتح له باب محبة الله ومعرفته , والله المستعان وعليه التكلان . ‏
‏السابعة عشرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " وقد اشتملت بالتلبية على هذه الكلمات بعينها , وتضمنت معانيها , وقوله : " وهو على كل شيء قدير , لك أن تدخلها تحت قولك في التلبية " لا شريك لك " . ولك أن تدخلها تحت قولك " إن الحمد والنعمة لك " , ولك أن تدخلها تحت إثبات الملك له تعالى , إذ لو كان بعض الموجودات خارجا عن قدرته وملكه , واقعا بخلق غيره , لم يكن نفي الشريك عاما , ولم يكن إثبات الملك والحمد له عاما , وهذا من أعظم المحال , والملك كله له , والحمد كله له , وليس له شريك بوجه من الوجوه . ‏
‏الثامنة عشرة : أن كلمات التلبية متضمنة للرد على كل مبطل في صفات الله وتوحيده , فإنها مبطلة لقول المشركين على اختلاف طوائفهم ومقالاتهم . ولقول الفلاسفة وإخوانهم من الجهمية المعطلين لصفات الكمال التي هي متعلق الحمد , فهو سبحانه محمود لذاته ولصفاته ولأفعاله , فمن جحد صفاته وأفعاله فقد جحد حمده , ومبطلة لقول مجوس الأمة القدرية الذين أخرجوا من ملك الرب وقدرته أفعال عباده من الملائكة والجن والإنس , فلم يثبتوا له عليها قدرة ولا جعلوه خالقا لها . فعلى قولهم لا تكون داخلة تحت ملكه , إذ من لا قدرة له على الشيء كيف يكون هذا الشيء داخلا تحت ملكه ؟ فلم يجعلوا الملك كله لله , ولم يجعلوه على كل شيء قدير , وأما الفلاسفة فعندهم لا قدرة له على شيء البتة , فمن علم معنى هذه الكلمات وشهدها وأيقن بها باين جميع الطوائف المعطلة . ‏
‏التاسعة عشرة : في عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر , وهو قوله " إن الحمد والنعمة لك والملك " ولم يقل إن الحمد والنعمة والملك - لطيفة بديعة , وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين , فإنه لو قال إن الحمد والنعمة والملك لك , كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد , فلما تمت الجملة الأولى بقوله " لك " ثم عطف الملك , كان تقديره , والملك لك . فيكون مساويا لقوله " له الملك وله الحمد " , ولم يقل له الملك والحمد , وفائدته تكرار الحمد في الثناء . ‏
‏العشرون : لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخبر , كان فيه إشعار باقترانهما وتلازمهما , وعدم مفارقة أحدهما للآخر , فالإنعام والحمد قرينان . ‏
‏الحادية والعشرون : في إعادة الشهادة له بأنه لا شريك له لطيفة وهي أنه أخبر لا شريك له عقب إجابته بقوله لبيك , ثم أعادها عقب قوله " إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " . ‏
‏وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك , والأول يتضمن أنه لا شريك لك في إجابة هذه الدعوة , وهذا نظير قوله تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } فأخبر بأنه لا إله إلا هو في أول الآية , وذلك داخل تحت شهادته وشهادة ملائكته وأولي العلم , وهذا هو المشهود به , ثم أخبر عن قيامه بالقسط وهو العدل , فأعاد الشهادة بأنه لا إله إلا هو مع قيامه بالقسط . ‏

الأحد، يوليو 26، 2015

المداومة على الطاعات : فضائلها – ثمراتها – أسبابها



الأستاذ عادل عبد الوهاب عبدالماجد
دبلوم فوق الجامعي في الإعلام
Email:abomigdad@yahoo.com
بسم الله ، والحمد لله  ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من والاه و بعد :
فإن العبادة و الاجتهاد فيها لا تنحصر في رمضان ، فإن رب رمضان هو رب سائر الشهور ، و يقال لمن يترك العبادة و يهجر المساجد بعد رمضان (  من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات ، و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت) و رمضان ما هو إلا محطة كبرى للتزود بالوقود الإيماني لسائر العام ، فبعدا لمن يفصل رمضان عن سائر العام و يدعو إلى علمنة رمضان ( فصل رمضان عن سائر الشهور ) ، و شعار الجهال بعد رمضان قول الشاعر :
رمضان ولى هاتها يا ساقي * مشتاقة تسعى إلى مشتاق
فالكون كله محراب للعبادة ، و لا علمانية في الاسلام ، و الاستمرارعلى الأعمال الصالحة له فضائل و ثمار و معينات نذكرها بايجاز بعون الله .
فضل المداومة على الطاعات  :
المداومة على الطاعات لها فضل عظيم و خصائص جليلة  منها :
1
ـ أنها من صفات المؤمنين الجادين (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ )23 المعارج ، قال السعدي رحمه الله (أي: مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها. وليسوا كمن لا يفعلها، أو يفعلها وقتا دون وقت، أو يفعلها على وجه ناقص.)  فالمداومة على الطاعات  - و على رأسها الصلاة - من صفات عباد الله الموفقين .
2
ـ هي وصية الله عز وجل لخير خلقه و هم الأنبياء صلوات ربنا وسلامه عليهم حيث جاء في القرآن قول عيسى عليه السلام : ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً )31 مريم  ، و قد أمر الله سيد البشر بذلك فقال له ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )99 الحجر أي : حتى يأتيك الموت ، قال ابن كثير (ويستدل من هذه الآية الكريمة على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْب" ، ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء، عليهم السلام، كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. وإنما المراد باليقين هاهنا الموت ) اهـ
3- هي أحب الأعمال إلى الله تعالى : عن عائشة أنها قالت (كان لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  حصيرٌ ، وكان يحجره بالليل فيصلي فيه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه ، فجعل الناس يثوبون إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يصلون بصلاته حتى كثروا ، فأقبل فقال : يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا : وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل ) . زاد في رواية عبد الوهاب الثقفي : ( وكان آل محمد  صلى الله عليه وسلم  إذا عملوا عملاً أثبتوه ) أخرجاه في الصحيحين .
ثمرات المداومة :
1 – زيادة الإيمان : فكل عمل صالح يزيد الإيمان بحسبه ، إن كان صغيرا أو كبيرا ، قليلا أو كثيرا . و كل طاعة تجر إلى غيرها ، عن عبد الله ابن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) متفق عليه . . و يقول شداد : إذا رأيت الرجل في طاعة الله فأعلم أن عنده أخواتها , وإذا رأيت الرجل في معصية الله فاعلم أن عنده أخواتها . 
2 ـ البعد عن الغفلة :  و قد ذم الله الغفلة و أهلها و نهى عن الاتصاف بها فقال ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ) الأعراف 205 ، و عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول على أعواد منبره : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم وليكونن من الغافلين ) رواه مسلم ، و عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ) رواه أبو داود و صححه الألباني .
فالمداومة على الطاعات وقاية من الغفلة التي تقود إلى الهلاك و الخسران ، و النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، و صدق من قال :
                و ما المرء إلا حيث يجعل نفسه * ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ
3
ـ أنها  سبب لمحبة الله عز وجل حيث يقول الله عز وجل في الحديث القدسي : ( ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة .
4 ـ هي سبب للنجاة في الشدائد : قال تعالى عن يونس عليه السلام : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ) 143-145  الصافات ،  والمعنى: لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء ، كما اختاره ابن جرير .
و قد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم  قال له : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . رواه الترمذي وقال  حديث حسن صحيح  . وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة ، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ). و لله در القائل :
فاشدد يديك بحبل الله معتصما * فإنـــه الركن إن خانتك أركـــــانُ
من يتق الله يحمد في عواقبــه * و يكفه شر من عزوا و من هانوا
5- ثبات الأجر عند العجز : فقد روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً  . قال ابن حجر: هذا في حق من كان يعمل طاعةً فمُنِع منها ، وكانت نيَّتُه لولا المانع أن يدوم عليها . اهـ
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من امريء تكون له صلاةٌ بليل ، فغَلَبَه عليها نوم ، إلا كَتَبَ الله له أجر صلاته ، وكان نومه صدقةً عليه) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني .
6- أنها سبب لمحو الذنوب : فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِن امْرَأَةٍ قُبْلَةً ، فَأتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )   هود : 114  ،  فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذَا ؟ قَالَ : ( لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ ) متفقٌ عَلَيْهِ ، وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : ( الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ، مَا لَمْ تُغشَ الكَبَائِرُ ) رواه مسلم .

7- هي سبب لحسن الخاتمة  : و هي أمنية الجميع ، و الأعمال بالخواتيم ، و من شبَّ على شيء شاب عليه ، و من شاب على شيء مات عليه ، لكن متى و أين و كيف تكون هذه الخاتمة ؟ هذا هو الجانب المخيف قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان 34  
و المداومة على الطاعة  تقود إلى حسن الخاتمة لأن من مات على شيء بعث عليه ، و من داوم على الطاعة اطمأن إليها كما قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد 28 ، و هؤلاء هم أصحاب النفوس المطمئنة التي تنادى عند الموت (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر 27-30 .
 و النهاية لابد آتية و العاقل الحريص يعمل من أجل تحسينها و تأمينها قال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185 
فمن زحزح : أي أبعد بجهد و مشقة ، فالامر يحتاج إلى اجتهاد و مجاهدة و مصابرة و مرابطة .  و صدق الشاعر حين قال :
تـــزوّد للذي لا بــــــــد منهُ ***** فإن المـوت ميقاتُ العبـــــادِ
وتب مــما جنيت وأنت حيٌّ ***** وكــــــن متنبـهاً قبل الرَّقــــادِ
ستندم إن رحلت بغـــير زادٍ ***** وتشقي إذ ينـــاديك المنـــــادِ
أترضى أن تكون رفيق قومٍ ***** لهــــــــم زادٌ وأنت بغيرِ زاد
8-  أنها سبب لدخول الجنة : قال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )133-136 آل عمران
أسباب المداومة على الطاعات :
هناك معينات و أسباب تعين على المداومة على الطاعات منها :
1- معرفة ثمراتها : فمعرفة ثمرات الشيء و الإحاطة بفوائده تعين على الثبات عليه و التمسك به كما قال الخضر لموسى عليهما السلام (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا )  الكهف 67 ، قال السعدي (أي: كيف تصبر على أمر،ما أحطت بباطنه وظاهره ولا علمت المقصود منه ومآله؟)
2- الخوف من سوء الخاتمة :قال تعالى ( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ، والله خبير بما تعملون )
. قال ابن رجب رحمه الله كما في "جامع العلوم والحكم" (صـ50) : ( وفي الجملةفالخواتيم ميراثُ السوابق، فكل ذلك سبق في الكتابِ السابق، ومن هنا كان يشتدُّ خوف السلف من سوء الخاتمة، ومنهم مَن كان يقلقُ من ذكر السوابق، وقد قيل: (إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يُخْتم لنا؟ وقلوب المقرَّبين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟)، وكان سفيان الثوري - رحمه الله - يشتدُّ قلقُه من السوابق والخواتم، فكان يبكي ويقول: (أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا)، ويبكي ويقول: (أخاف أن أُسلب الإيمان عند الموت)، وكان مالك بن دينار - رحمه الله - يقوم طول ليلِه قابضًا على لحيته، ويقول: (يا رب، قد علمتَ ساكنَ الجنة من ساكنِ النار، ففي أي الدارين منزلُ مالك؟) اهـ باختصار.
وقال سهل التستري   رحمه الله  : ( خوف الصدِّيقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفَهم الله تعالى إذ قال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ المؤمنون: 60، (إحياء علوم الدين: 3/272) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ بعد التشهُّد الأخير في الصلاة من أربعٍ، فيقول: ( اللهم إني أعوذُ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وشر فتنة المسيح الدجال ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وفتنة المحياهي التي يتعرَّض لها العبد في هذه الحياة الدنيا، وهي فتنة متنوعة ، وفتنة المماتهي الفتنة التي تنزل بالمرء عند السكرات والكُرُبات، والإقبال على ربِّ الأرض والسموات، نسأل الله الثبات عند الممات.
3- البيئة الصالحة : فالانسان ابن بيئته كما قيل ، و لقد وصى الله رسوله صلى الله عليه و سلم بقوله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) 28 الكهف ،  قال السعدي رحمه الله (يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.{ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.{ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.{ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } الآية. { وَكَانَ أَمْرُهُ } أي: مصالح دينه ودنياه { فُرُطًا } أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.)اهـ
4- الاقتصاد في العبادة : و المعنى عدم الإثقال على النفس بأعمال تؤدي إلى المشقة ، المفضية إلى السآمة والملل من العبادة و تركها  . وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ( أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومها وإن قل ). وقال: ( اكلَفوا من الأعمال ما تطيقون ) .
5- الدعاء : فقد أثنى الله تعالى على الراسخين في العلم بأنهم يقولون ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ )  ،   وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : كَانَ من دعاءِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: ( اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ ، والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ) . رواه الحاكم أَبُو عبد الله ، وقال : حديث صحيح عَلَى شرط مسلمٍ.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( أوصيك يا معاذ : لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أحمد , وأبو داود , والنسائي بسند قوي .
نسأل الله أن يجعلنا من المداومين على الطاعات ، و أن يعيننا على ذكره و شكره و حسن عبادته ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .