شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

السبت، يونيو 01، 2013

موقف أهل السنة من العالم إذا أخطأ

موقف أهل السنة من العالم إذا أخطأ أنه
يعذر فلا يبدع ولا يهجر
 الشيخ عبد المحسن العباد
ليست العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يسلم عالمٌ من خطأ،
ومن أخطأ لا يُتابع على خطئه، ولا يُتخذ ذلك الخطأ ذريعة إلى عيبه والتحذير منه،
بل يُغتفر خطؤه القليل في صوابه الكثير، ومن كان من هؤلاء العلماء قد مضى فيستفاد من علمه مع الحذر من متابعته على الخطأ،
ويدعى له ويترحم عليه، ومن كان حياً سواء كان عالماً أو طالب علم يُنبه على
خطئه برفق ولين ومحبة لسلامته من الخطأ ورجوعه إلى الصواب.
.
.
وما أحسن قول الإمام مالك رحمه الله:
" كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ".

وهذه نقول عن جماعة من أهل العلم في تقرير وتوضيح اغتفار خطأ العالم في صوابه الكثير:
قال سعيد بن المسيب (93هـ):
" ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله
أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أنه من غلب عليه نقصانه ذهب فضله.
وقال غيره: لا يسلم العالم من الخطأ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم،
ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيراً فهو جاهل ".
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر [2/48].

وقال عبد الله بن المبارك (181هـ):
" إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن ".
سير أعلام النبلاء للذهبي [8/352 ط. الأولى].
وقال الإمام أحمد (241هـ):
" لا يعبر الجسر من خراسان مثل إسحاق (يعني ابن راهويه)،
وإن كان يخالفنا في أشياء؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً ".
سير أعلام النبلاء [11/371].

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه (728هـ):
" ومما ينبغي أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات،
منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومن من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة.
ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه،
فيكون محموداً فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث
جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها،
ورد باطلاً بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة.
ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون
كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك.
ولهذا وقع في مثل هذا كثيرٌ
من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة،
بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين،
وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات،
واستحل قتال مخالفه دون موافقه، فهولاء من أهل التفرق والاختلافات ".
مجموع الفتاوى [3/348-349].

وقال [19/191-192]:
" وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة،
إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها،
وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله:
(( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ))،
وفي الصحيح أن الله قال: { قد فعلت } ".
وقال الإمام الذهبي (748هـ):
" ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه،
وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه، وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه،
وننسى محاسنه، نعم! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ".
سير أعلام النبلاء [5/271].
وقال أيضاً:
" ولو أنا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه،
لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق،
وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ". السير [14/39-40].
وقال أيضاً:
" ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لإتباع الحق – أهدرناه وبدعناه،
لقل من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه وكرمه " . السير [14/376].
وقال أيضاً:
" ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الإتباع والصفات الحميدة،
ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن " .
السير [20/46].

وقال ابن القيم (751هـ):
" معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله
ورسله لا يوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي
عليهم فيها ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها،
لا يوجب اطراح أقوالهم جملة، وتنقصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عند القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا نؤثم ولا نعصم "
إلى أن قال: " ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي
له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون
منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها،
ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين " . إعلام الموقعين [3/295].
وقال ابن رجب الحنبلي [795هـ]:
" ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه " .
القواعد (ص:3).

فتنة التجريح والهجر من بعض أهل السنة
في هذا العصر، وطريق السلامة منها

حصل في هذا الزمان انشغال بعض أهل السنة ببعض تجريحاً وتحذيراً،
وترتب على ذلك التفرق والاختلاف والتهاجر، وكان اللائق بل المتعين التواد والتراحم بينهم، ووقوفهم صفاً واحداً في وجه
أهل البدع والأهواء المخالفين لأهل السنة والجماعة، ويرجع ذلك إلى سببين:

أحدهما: أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء
والبحث عنها، سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة، ثم التحذير ممن حصل منه شيءٌ
من هذه الأخطاء، ومن هذه الأخطاء التي يُجرح بها الشخص ويحذر منه بسببها تعاونه مثلاً مع إحدى الجمعيات بإلقاء المحاضرات أو
المشاركة في الندوات، وهذه الجمعية قد كان الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين
رحمهما الله يُلقيان عليها المحاضرات عن طريق الهاتف، ويعاب عليها دخولها في أمر قد أفتاها به هذان العالمان الجليلان،
واتهام المرء رأيه أولى من اتهامه رأي غيره، ولا سيما إذا كان رأياً أفتى به كبار العلماء،
وكان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جرى في صلح الحديبية يقول:
يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين .

ومن المجروحين من يكون نفعه عظيماً، سواء عن طريق الدروس أو التأليف أو الخطب،
ويُحذر منه لكونه لا يعرف عنه الكلام في فلان أو الجماعة الفلانية مثلاً،
بل لقد وصل التجريح والتحذير إلى البقية الباقية في بعض الدول العربية، ممن نفعهم عميم
وجهودهم عظيمة في إظهار السنة ونشرها والدعوة إليها، ولا شك أن التحذير
من مثل هؤلاء فيه قطع الطريق بين طلبة العلم ومن يمكنهم الاستفادة منهم علماً وخلقاً.

والثاني: أن من أهل السنة من إذا رأى أخطاء لأحد من أهل السنة كتب في الرد عليه،
ثم إن المردود عليه يقابل الرد برد، ثم يشتغل كل منهما بقراءة ما للآخر من
كتابات قديمة أو حديثة والسماع لما كان له من أشرطة كذلك؛ لالتقاط الأخطاء وتصيد المثالب، وقد يكون بعضها من قبيل سبق اللسان،
يتولى ذلك بنفسه، أو يقوم له غيره به، ثم يسعى كل منهما إلى الاستكثار من
المؤيدين له المدينين للآخر، ثم يجتهد المؤيدون لكل واحد منهما بالإشادة بقول
من يؤيده وثم غيره، وإلزام من يلقاه بأن يكون له موقف ممن لا يؤيده،
فإن لم يفعل بدعه تبعاً لتبديع الطرف الآخر، وأتبع ذلك بهجره، وعمل هؤلاء المؤيدين لأحد الطرفين الذامين للطرف الآخر من أعظم الأسباب
في إظهار الفتنة ونشرها على نطاق واسع، ويزداد الأمر سوءاً إذا قام كل من الطرفين
والمؤيدين لهما بنشر ما يُذم به الآخر في شبكة المعلومات (الانترنت)،
ثم ينشغل الشباب من أهل السنة في مختلف البلاد بل في القارات بمتابعة الإطلاع
على ما ينشر بالمواقع التي تنشر لهؤلاء وهؤلاء من القيل والقال الذي لا يأتي بخير،
وإنما يأتي بالضرر والتفرق، مما جعل هؤلاء وهؤلاء المؤيدين لكل من الطرفين يشبهون المترددين
على لوحات الإعلانات للوقوف على ما يجد نشره فيها، ويشبهون أيضاً المفتونين
بالأندية الرياضية الذين يشجع كل منهم فريقاً، فيحصل بينهم الخصام
والوحشة والتنازع نتيجة لذلك.

وطريق السلامة من هذه الفتن تكون بما يأتي:
أولاً:فيما يتعلَّق بالتجريح والتحذير ينبغي مراعاة ما يلي:

1. أن يتقي الله من أشغل نفسه بتجريح العلماء وطلبة العلم والتحذير منهم،
فينشغل بالبحث عن عيوبه للتخلص منها بدلاً من الاشتغال بعيوب الآخرين،
ويحافظ على الإبقاء على حسناته فلا يضيق بها ذرعاً، فيوزعها على من ابتلي بتجريحهم
والنيل منهم، وهو أحوج من غيره على تلك الحسنات في يوم لا ينفع
فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

2. أن يشغل نفسه بدلاً من التجريح والتحذير بتحصيل العلم النافع، والجد والاجتهاد فيه
ليستفيد ويفيد، وينتفع وينفع، فمن الخير للإنسان أن يشتغل بالعلم تعلماً
وتعليماً ودعوة وتأليفاً، إذا تمكن من ذلك ليكون من أهل البناء، وألا يشغل نفسه
بتجريح العلماء وطلبة العلم من أهل السنة، وقطع الطريق الموصلة إلى الاستفادة منهم،
فيكون من أهل الهدم، ومثل هذا المشتغل بالتجريح لا يخلف بعده إذا مات
علماً يُنتفع به، ولا يفقد الناس بموته عالماً ينفعهم، بل بموته يسلمون من شره.

3. أن ينصرف الطلبة من أهل السنة في كل مكان إلى الاشتغال بالعلم، بقراءة
الكتب المفيدة وسماع الأشرطة لعلماء أهل السنة مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، بدلاً من انشغالهم بالاتصال بفلان أو فلان، سائلين:
( ما رأيك في فلان أو فلان؟ )،
(وماذا تقول في قول فلان في فلان، وقول فلان في فلان ).

4. عند سؤال طلبة العلم عن حال أشخاص من المشتغلين بالعلم، ينبغي رجوعهم
إلى رئاسة الإفتاء بالرياض للسؤال عنهم، وهل يرجع إليهم في الفتوى وأخذ
العلم عنهم أو لا؟ ومن كان عنده علم بأحوال أشخاص معينين يمكنه أن يكتب إلى رئاسة الإفتاء ببيان ما يعلمه عنهم للنظر في ذلك،
وليكون صدور التجريح والتحذير إذا صدر يكون من جهة يعتمد عليها في الفتوى وفي بيان من يؤخذ عنه العلم ويرجع إليه في الفتوى،
ولا شك أن الجهة التي يرجع إليها للإفتاء في المسائل هي التي ينبغي الرجوع
إليها في معرفة من يُستفتى ويؤخذ عنه العلم، وألا يجعل أحد نفسه مرجعاً في
مثل هذه المهمات؛ فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

ثانيا:فيما يتعلق بالرد على من أخطأ، ينبغي مراعاة ما يلي:
1. أن يكون الرد برفق ولين ورغبة شديدة في سلامة المخطئ من الخطأ، حيث
يكون الخطأ واضحاً جلياً، وينبغي الرجوع إلى ردود الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –
للاستفادة منها في الطريقة التي ينبغي أن يكون الرد عليها.

2. إذا كان الخطأ الذي رد عليه فيه غير واضح، بل هو من الأمور التي يحتمل أن
يكون الراد فيها مصيباً أو مخطئاً، فينبغي الرجوع إلى رئاسة الإفتاء للفصل في ذلك،
وأما إذا كان الخطأ واضحاً،
فعلى المردود عليه أن يرجع عنه، فإن الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل.

3. إذا حصل الرد في إنسان على آخر يكون قد أدى ما عليه، فلا يشغل نفسه
بمتابعة المردود عليه، بل يشتغل بالعلم الذي يعود عليه وعلى غيره بالنفع العظيم،
وهذه هي طريقة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.

4. لا يجوز أن يمتحن أي طالب علم غيره بأن يكون له موقف من فلان المردود عليه أو الراد،
فإن وافق سلم، وإن لم يوافق بدع وهجر، وليس لأحد أن ينسب إلى أهل السنة مثل
هذه الفوضى في التبديع والهجر، وليس لأحد أيضاً أن يصف من لا يسلك هذا المسلك
الفوضوي بأنه مميع لمنهج السلف، والهجر المفيد بين أهل السنة ما كان نافعاً للمهجور، كهجر الوالد ولده، والشيخ تلميذه، وكذا صدور الهجر ممن يكون له منزلة رفيعة ومكانة عالية،
فإن هجر مثل هؤلاء يكون مفيداً للمهجور، وأما إذا صدر الهجر من بعض الطلبة لغيرهم،
لا سيما إذا كان في أمور لا يسوغ الهجر بسببها، فذلك لا يفيد المهجور شيئاً،
بل يترتب عليه وجود الوحشة والتدابر والتقاطع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [3/413-414]: في كلام له عن يزيد بن معاوية: " والصواب هو ما عليه الأئمة،
من أنه لا يخص بمحبة ولا يلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً فالله يغفر للفاسق والظالم،
ولا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له "،
وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية،
وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه...
فالواجب الاقتصاد في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين به،
فإن هذا من البدع المخالفة لأهل السنة " .

وقال [3/415]:
" وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ".
وقال [20/164]:
" وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم،
ولا ينصب لهم كلاماً
يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع
الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة، يوالون به على
ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون ".

وقال [28/15-16]:
"
فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده
ونحو ذلك نظر فيه: فإن كان قد فعل ذنباً شرعياً عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة،
وإن لم يكن أذنب ذنباً شرعياً لم يجز أن يعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره.
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء،
بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى، كما قال الله تعالى:
(( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) "،
قال الحافظ ابن رجب في شرح حديث:
" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "
من كتابه جامع العلوم والحكم [1/288]:
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح
عن أبي محمد بن أبي زيد – إمام المالكية في زمانه – أنه قال جماع آداب الخير وأزمته تتفرع
من أربعة أحاديث، قول النبي صلى الله عليه وسلم:
{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت }، وقوله صلى الله عليه وسلم:
{ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه }،
وقوله للذي اختصر له في الوصية: { لا تغضب }،
وقوله صلى الله عليه وسلم:
{ المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه } ".
أقول: ما أحوج طلبة العلم إلى التأدب بهذه الآداب التي تعود عليهم وعلى غيرهم
بالخير والفائدة، مع البعد من الجفاء والفظاظة التي لا تثمر إلا الوحشة
والفرقة وتنافر القلوب وتمزيق الشمل.

5. على كل طالب علم ناصح لنفسه أن يعزف عن متابعة ما ينشر في شبكة المعلومات
الانترنت، عما يقوله هؤلاء في هؤلاء، وهؤلاء في هؤلاء، والإقبال عند استعمال
شبكة الانترنت على النظر في مثل موقع الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ومطالعة بحوثه وفتاواه التي بلغت حتى الآن واحداً وعشرين مجلداً،
وفتاوى اللجنة الدائمة التي بلغت
حتى الآن عشرين مجلداً، وكذا موقع الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – ومطالعة كتبه وفتاواه الكثيرة الواسعة.

وفي الختام أوصي طلبة العلم أن يشكروا الله عز وجل على توفيقه لهم؛ إذ جعلهم
من طلابه، وأن يعنوا بالإخلاص في طلبه، ويبذلوا النفس والنفيس لتحصيله، وأن يحفظوا الأوقات في الاشتغال به؛ فإن العلم لا ينال بالأماني
والإخلاد إلى الكسل والخمول، وقد قال يحيى بن أبي كثير اليمامي:
" لا يستطاع العلم براحة الجسم "،
رواه مسلم في صحيحه بإسناده إليه في أثناء إيراده أحاديث أوقات الصلاة،
وقد جاء في كتاب الله آيات، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل
على شرف العلم وفضل أهله، كقوله تعالى:
((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ ))، وقوله:
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))، وقوله:
((يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ))،
وقوله: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ))،
وأما الأحاديث في ذلك فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين "
أخرجه البخاري (71) ومسلم (1037)،
وقد دل الحديث على أن من علامة إرادة الله تعالى الخير بالعبد أن يفقهه في الدين؛
لأنه بفقهه في الدين يعبد الله على بصيرة، ويدعو غيره على بصيرة، وقوله صلى الله عليه وسلم:
" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري (5027)، وقوله صلى الله عليه وسلم:
" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين "
رواه مسلم (817)، وقوله صلى الله عليه وسلم:
" نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها " وهو حديث متواتر، جاء عن أكثر من عشرين صحابياً، ذكرت رواياتهم في كتابي "
دراسة حديث { نضر الله امرءا سمع مقالتي }
رواية ودراية "،
وقوله صلى الله عليه وسلم:
" من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله عز وجل به طريقاً من طرق الجنة،
وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات
ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل
القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر "
وهو حديث حسن لغيره، أخرجه أبو داود (3628) وغيره، وانظر تخريجه صحيح الترغيب والترهيب (70) والتعليق على مسند الإمام أحمد (21715)،
وقد شرح الحافظ ابن رجب هذا الحديث في جزء مفرد، والجملة الأولى وردت في حديث في صحيح مسلم (2699)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة:
إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له " رواه مسلم (1631)،
وقوله صلى الله عليه وسلم:
" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً "
أخرجه مسلم (2674).


وأيضا أوصي الجميع بحفظ الوقت وعمارته فيما يعود على الإنسان بالخير، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخاري في صحيحه (6412)، وهو أول حديث عنده في كتاب الرقاق، وقد أورد في هذا الكتاب [11/235 مع الفتح] أثراً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
" ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدةٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛
فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ".


وأوصي بالاشتغال بما يعني عما لا يعني، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "
حديث حسن، رواه الترمذي (2317) وغيره، وهو الحديث الثاني عشر من الأربعين للنووي.

وأوصي بالاعتدال والتوسط بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" إياكم والغلو في الدين؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " وهو حديث صحيح، أخرجه النسائي وغيره، وهو من أحاديث حجة الوداع
، انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني (1283).

وأوصي بالحذر من الظلم، للحديث القدسي:
" يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا "
رواه مسلم (2577)،
ولقوله صلى الله عليه وسلم:
" اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " رواه مسلم (2578).

وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما فيه تحصيل العلم النافع والعمل به والدعوة إليه على بصيرة،
وأن يجمعهم على الحق والهدى، ويسلمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على
عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق