شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الأربعاء، نوفمبر 13، 2013

مشاهد في كرة القدم

عاصم محمد الخضيري
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

المشهد الأول: أتى بعد صلاة الجمعة الفائتة ثم سلم وجلس، ثم ابتدأ معاتبًا وهو يقول: لقد كنت حدثتنا هذه الجمعةَ عن الصنم الكبير، وحدثتنا عن كرة القدم وعن لغوها والغلو في محبتها ومشاهدتها واللعب بها، أين كان هذا الحديث من قبل؟! بل أينك وأين آلاف الخطباء عن حديث كهذا؟! من المسؤول عن تغييب مواضيع العصر الملحّة، وعن تغييب الكلام عن أكثرها شيوعًا وأشدِّها حساسية وتعقيدًا، من هو المسؤول عن هذا التغييب؟! وهذا الحديث هو أكبر واردات الهموم في قلوب الشباب، بل الرقمُ الأول في سلك قضاياهم، أينكم عن هموم الشباب؟! أبعدما يبلغ الإدمان في القلوب وتستحكم الفتنة في العيون، وتنجرف الجماهير تحت لواء التعصب المذموم، وتمور في درب الضياع، بعدها تتحدثون؟! أين حرقة المسؤولية لهذه الأمة عن حديث أقض شريحة عظمى من شباب ينتسب لهذه الملة وحبِّ هذا الدين؟! أما إني أعلنها صريحة أني اعتزلت كل هذا الغثاء لغير رجعة، فوقتي هو مستقبلي في الجنة.

المشهد الثاني: كتب إليَّ رسالةً ضمنها ما يلي: حديث الولاء والبراء في كرة القدم حديث يطول، حديث غُيِّب عن الواقع الدقيق في هذه اللعبة، مع أنه من أظهر أنواع المنكراتِ التي تحتف بها. ثم يقول: إن قضية الولاء والبراء وموالاة المشركين من خلال كرة القدم هي قضية تتعدى قضية اللهو المباح بل حتى المحرَّم منه! ثم يستمر معلقًا ويقول: ثق أن ما ذكرته لك هو من أجلى الظواهر في هذه اللعبة، حتى إنني سمعت، بل شاهدت من ولاء شبابنا ما لتزول منه الجبال، إلى حد جعل تلك الجماهير المسلمة تستقبل ذلك اللاعب الكافرَ في إحدى المطارات وتحاولُ أن تحتك به وتجتهدَ في ابتداء مصافحته والسلام عليه، والهشِّ له والتمسحِ به وإفساح الطريق له، والتصوير معه، والتسابق للوقوف بين يديه والتصفيق عنده؛ وما ذاك إلا لظهور الخلل العقائدي عند كثير من شبابنا، وانهزام حضاري في أقل الأحوال.

المشهد الثالث: كتب يقول: ضغط الواقع يقلق الأجيال المعاصرة، واعجباً لك، فما الذي تريده من الشباب، وأنت تعلم أن الشباب إذا لم يتعلق بشيء، سيتعلق بمتابعة الكرة وصرف وقته لها! أو تعلم أن هذه اللعبة كانت الأمل في انصراف الشباب عن محرماتٍ قطعية، وجرائمَ لا تخفى؟! إن هذه اللعبة هي الدرب السيئ الذي يصرف الناس عن درب أسوأ منه!!

انتهت المشاهد من جملةِ مشاهد كثيرة.

ثم أما بعد:

وإذا كانت النفوس صغارًا *** فرحت في مرادها الأجسام

لا ضير؛ فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل!! ليس عجبًا أن تخرج دعواتٌ تنادي بإقفال الموضوع، لأنه موضوع حسَّاس، وأن هذه الأمة تعترضها شؤون أولى بالحديث عن مثله!! وا عجبًا لهذه الدعوات، وهذا الواقع المعاصر يشهد أن نازلة كرة القدم ما سلمت منها دار، ولم تغب عولمتُها عن مَجمعٍ أو مجلس شبابي!! وكأن من لم يتحدث عنها كانت عليه من قلوب أصحابه تِرة!!

وا عجبًا لهذه الدعوات ونحن نفقد الحساسية والقلب المشفق حين نرى موضوعًا حساسًا، ثم تموتُ حساسيتنا في علاجه!!

فكيف نجيز غصتنا بشيء *** ونحن نغصُّ بالماء الشريب

ليت أصحابَ هذه الدعواتِ علموا ما تجيش به شوارعُ العالم العربي والإسلامي من حب وعشق وافتتان وضياع، ومؤامراتٍ على إفساد الذاكرة الإسلامية لروحها وأمجادها وحواضرها، عبر كرة القدم!! حتى صار اللاعب الأرجنتيني، أوعى في قلوب الشباب من رجل الأمة الأول، وخلفاء رسولها الراشدين!! والعشرةَ المبشرين!! حتى ونحن نشاهد المقابلة التي قابلها أحدهم مع فئام من الشباب وهو يسألهم عن ثلاثة من أصحاب رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- ليجيب أحدهم أن موسى -عليه السلام- وأبا بكرٍ الرازي هما من أجلاء صحابة رسول الله!

لن يأخذك العجب وأنت تسير في أي شارع ينتسب لحضارة الإسلام، وتريد أن تعيَ حجم التغييب وغسيل عقول شبابها!! لا تعجب فكثير من هذه الشوارع قد فقدت ذاكرتها! بل لم يأخذني العجب وأنا أسأل أحد الشباب المهتمين عن برنامجه اليومي ليجيبني أن النظر إلى ثلاث مباريات أوروبية في اليوم يعتبر أمرًا عاديًا لديه!!

كم وددت ألا تأتي اللحظة التي أرى فيها أحد شباب الإسلام وهو يزعم أن رسول الله هو أحد الصحابة!! بل ما وددت والله أن تأتي علي اللحظة التي أشاهد فيها الغزو العسكري يُستبدل بالغزو الكروي!! أم كنت أودُّ أن أرى شابًا لا يقرأ الفاتحة، وهو يعلم عن لاعبي الصف الثاني للمنتخب الإسباني! أم كنتُ أود أن أرى شابًا مسلمًا يُسأل عن دينه فيقول: هاه لا أدري، وهو الذي أجابهم حين سئل عن سيرة رئيس الاتحاد الأوربي!! أم كنت أود أن أرى شبابًا ضاعت معالمهم بما شاهت به قصاتهم، وهم هم لا يفقهون حديثًا، إلا حديث كرة القدم!!

نسبوهم لأمة بات فيها *** يحزن الحزن من أليم عناها

نسبوهم لنا وأمتهم حارت بهم كيف ينسبون إليها!! إنهم ينتسبون لهذه الأمة!! أهم ينتسبون؟!

ما هم بأمة سيدي حاشا فليسوا الأكفياء
ما هم بأمة من على الأفلاك قد ركز اللواء
من حطم الأصنام من أرسى العدالة والإخاء
من أسمع الدنيا حداء المجد فاشتعلت حداء
من قاد قافلة السلام وفجر الصحراء ماء
واستمطر التاريخ فانهمرت سحائبه ثراء
وغزا الظلام وجاء بالحق المنور حين جاء
لم يفقهوا بدرًا ولا أمَّت ركائبهم حراء
لم يقرؤوا سعدًا وسيف الله ما فهموا البراء
إني أحـار بهؤلاء أحـار نهجًا وانتمـاء
هذا إلى كرة يَطيف بها وذا عبد الرغـاء
إني أحار بهم وقد أمست جموعهم غثاء
يتناطحون تناطح الأكباش تلتهم الغذاء
ويقاتلون لأجل ما كرة ويا عبث الدماء
ويحز بعضهم رقاب البعض شوقًا واشتهاء

همم لا منتهى لصغارها!! يتحسر أهل الجنة وهم في الجنة على لحظة لم يذكروا الله فيها، وعلى لحظة أضاعوها في غير ذكر الله!! فكيف بلحظة في نار الله يومها أشد من ألف سنة مما يعد المجنونون بهذه الكرة؟!

همم لا منتهى لصغارها:

دقات قلب المرء قائلةٌ له *** إن الحياة دقائق وثواني

همم لا منتهى لصغارها، يبحث بعض الشباب عمن يجيز له تضييع الأوقات في مشاهدة المباريات!! وينسى همة تقول له: لا تُضِع فسلعة الرحمن غالية على الكسلان!!

هي سلعة وتقول أين المشتري *** فلقد عُرضْتُ بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو إمكان

همم لا منتهى لصغارها، يستفتون الناس في الترخيص للمحرمات، ولا يستفتونهم في المندوبات، يبحثون عن الأغوار، ويبحث أصحاب الهمم عن الأنجاد، نعم..

فمن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر

همم لا منتهى لصغارها، يبحثون عن تضييع الأوقات وأبو مسلم الخولاني يقول لمن سأله عن عمله: "والله لو قيل لي: إن جهنمَ تسعُر الآن ما استطعت أن أزيد في عملي شيئًا".

ما لهم لا يندمون؟! وابن مسعود يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".

ما لهم لا يندمون والله يقسم بالوقت فيقول: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، وهم: لا يعرفون من المقسم!! وجدية القسم، بل يسخرون، ويضحكون!! وهم سادرون سامدون!!

أيها الجيل الحبيب: نعمتان مغبون فيهما كثير من الشباب: الصحة والفراغ، فاغتنم هذه قبل أن تفجأك الخوارم!!

أيها الجيل الحبيب: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه!! فاترك الغثائية والعبثية والسبهللية، تغنم قلبًا راضيًا، وجوارح مطمئنة، وسعادة أبدية، تسعون دقيقة من المشاهدة، من تركها لله في قراءة قرآن أو تعلُّم نافع من القول والعمل، عوضه الله بها خيرًا من لذة مشاهدة يكتبها الملكان في سجلات الشِّمال! تسعون دقيقة، من تركها لله في ركيعات قليلات، عوّضه الله بها لذة الأولى قبل الأخرى، خيرًا من فناء لذاذة تفنى، ويبقى الإثم والعار!!

تسعون دقيقة، من تركها لله في ذكر الله عوّضه الله بها نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، تسعون دقيقة في قول لا إله إلا الله مائة مرة تكون له بها عدلُ عشر رقاب، وتكتب له مائة حسنة، وتمحى عنه مائة سيئة، وتكون له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه، من تركها لله عوّضه الله بها خيرًا من لذة مشاهدة تنتهي بفوز أو خسران.

تسعون دقيقة، عرف حقيقتها أقوام فسافروا لأجلها، فما ضيعوها، بل حفظوها، حتى روي عن أحدهم أنه قال: "والله ما اغتممت على شيء كاغتمامي على طلوع الفجر وأنا ناصب قدمي بين يدي ربي".

وأبو الدرداء -رضي الله عنه- يقف ذات يوم أمام الكعبة ثم يقول لأصحابه: "أليس إذا أراد أحدكم سفرًا يستعد له بزاد؟!". قالوا: نعم، قال: "فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون!". فقالوا: دلنا على زاده، فقال: "صلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يومًا شديدًا حره لطول يوم النشور".

يا سلعة الرحمن كيف تصبر *** الخطاب عنك وهم ذوو إيمان
ما كان عنها قط من متخلف *** وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة *** ليصد عنها المبطل المتوانى
وتنالها الهمم التي تسمو إلى *** رب العلا بمشيئة الرحمن
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد *** راحاته يوم المعاد الثاني

"ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: يا بن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل شهيد، وإذا ذهبتُ عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبدًا إليك".

أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:



قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم *** كـرة تراض بلعبهـا الأجسامُ
وقفـوا لها متشمرين فألقيت *** فتـداولتهـا منهـم الأقـدامُ
يتراكضون وراءها في ساحة  *** للسـوق معتـرك بها وصـدامٌ
رفسًا بأرجلهم تساق وضربها *** بالكف عند اللاعبـين حـرامٌ
ولقد تحلق في الهواء إذا هوت *** شرعوا الرؤوس فناطحتها الهامٌ
وتخـالها حينًا قـذيفةَ مدفع *** فتمـر صـائتـة لهـا إرزامٌ
كرة تقول لكل ساع خلفها *** آخ الجنـون فعقـلك الأقـدام

يقول الشيخ عبد الرحمن البراك: "كرة القدم وما كرة القدم، هي أم الآثام من الإنفاق الحرام وأكل الحرام، والولاء والبراء لغير الله والفرح بالباطل والجزع بالباطل، فهي معبود للمفتونين، من أجلها يحبون ويبغضون، ومن أجلها يوالون ويعادون، فتعسًا لهم كما تعس عبد الدينار وعبد الدرهم الذي إن نالهما رضي وإن حُرم سخط، وهذه حال المفتونين بكرة القدم، لذا لا يشاهدها الكرام؛ لأنها من اللغو الباطل: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماًويجب أن يعلم أن نشرها ونشر قوانينها من دسائس اليهود على المسلمين كما هو المشهور في بروتوكولاتهم، لصد المسلمين عن ذكر الله وعن الصلاة وإفساد أخلاقهم وإضاعة أوقاتهم وشغلهم عما ينفعهم في دنياهم، وإضعاف همم شبابهم، فيجب على عقلاء الأمة فضلاً عن صلحائها أن ينكروا هذه المباريات الدولية والمحلية، ويعرضوا عنها ويربوا أولادهم على استهجانها: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَولا ريب أن أعداء الإسلام من دول الكفر يسرون بما توليه الدول الإسلامية من اهتمام بالغ بالمباريات الرياضية وتشجيع مادي ومعنوي لها، وإنفاق الأموال الطائلة في بناء الملاعب الضخمة، والاعتزاز الكبير باستضافة كأس العالم لكرة القدم والاستعداد لذلك، وهو عين السفه إذ تنفق الأموال على اللعب ويعطل كثير من المصالح والحقوق.

وقد عُلم من دين الإسلام أن إنفاق المال فيما لا ينفع في دين ولا دنيا هو من أكل المال بالباطل ومن التبذير والسرف الذي نهى الله عنه في كتابه، فقال: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراًوالمال هو قوام مصالح الدين والدنيا، ولهذا قال الله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)". انتهى كلامه.

المقام الثاني: إن التعصب آفة عصرية، تهوي بصاحبها إلى الدركات!!

التعصب الكروي لم يعد مجرد ظاهرة انتماء أو ولاء لنادٍ أو فريق رياضي، بل تعداهما إلى ما يمس عقيدة المؤمن، وليس ذلك الكلامُ طريقًا إلى التهويل وتحميلِ الأمور فوق حملها، بل إن من قُدر له أن يشاهد بعض التصرفات والأفعال لبعض جماهير كرة القدم، سيشاهد أنهم قد انحرفوا بتلك الرياضة عن هدفها المقصود، من أنها وسيلةٌ لتقوية الجسم!!

قد جعلت الجماهير من التشجيع أداةً للتعصب والولاء والبراء والتنصنيفات المقتيتة البغيضة، ولكم سمعت الجماهير عن أناس أصيبت بالسكتات والجلطات، والموتات بسبب كرة، ولكم سمعت الجماهير عن رجال تهدمت بيوتهم، ورجال طلقت زوجاتهم لأجل مباراة، ولكم سمعت الجماهير عمن قتل بسبب تعصُّبٍ أعمى لفريق أو لاعب.

ولكم سمعت الجماهير عن بيوت تشظت مزعًا، حتى صار أهل البيت الواحد ينقسمون على أنفسهم، هذا يتبع فريقًا، وذاك يتبع آخرًا، ولكم علمت الجماهير أنه ما وقف الأمر عند حد التشجيع بل تعداه إلى سخرية أتباع الفريق المنتصر من الفريق المهزوم، والله يقول: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ)، وعند النهاية يكون الشجار والعراك الذي يدور بين المشجعين، بل وسقوط القتلى والجرحى بالمئات من ضحايا كرة القدم!

قاتل الله التعصب! يصل المسلم فيه إلى البغضاء، ونبي الإسلام يقول: "لا تباغضوا، وكونوا -عباد الله- إخوانًا، المسلم أخو المسلم"، وما من عجب بعدها أن يصل الأمر حينئذ إلى انتشار البغضاء حتى بين بعض الدول لأجل مباريات كرة.

قاتل الله التعصب الذي جعل من هذه الكرة مرتعًا للآثام والخصام، بل زهَّدت عن كل مرام تبتغي به العلياء، وقد ثبت بالتجربة، أن من زاحمت هذه الكرةُ وحبُّ مشاهدتها قلبه، أصبح الإدمان رفيقه، والتطبع بالسفاسف خدنه وصديقه، وقلما تجد رجلاً يشار إليه بالكرامة والنصرة والاستقامة ومعالي الأمور وهو يدمن مشاهدات الكرة، وتطغى على جل وقته.

قاتل الله التعصب الذي جعل من هذه الكرة وظيفة من لا وظيفة له، وشغلاً لمن يبحث عن شغل، حتى لوت كل الأعناق، فاللاعب هو القدوة والأسوة، وهو محل الجلال والكمال، وجعلت من اللاعبين هم أمل الأمة القادم، وهم رايتها الخضراء !! كرة القدم!!

أمضى الجسور إلى العلا *** بزماننا كرة القدمْ
تحتل صدر حياتنا *** وحديثها في كل فمْ
وهي الطريقُ لمن يريـ *** ـد خميلةً فوق القممْ
أرأيتَ أشهرَ عندنا *** من لاعبي كرة القدمْ؟!
أهمُ أشـد توهجـاً *** أم نارُ برقٍ في علمْ
ما قيمةُ العلمِ الغزير *** وأن تكونَ أخًا حكم
وتظلُ ليلكَ ساهـرًا *** تقضيهِ في همٍ وغمْ
فتُـرى ولم يبقَ الضنى *** لحمـاً عليك ولا شحمْ
ما دام أصحابُ المعا *** لي عندنا أهل القدمْ
لهمُ الجبايةُ والعطاءُ *** بلا حدودٍ، والكرمْ
لهمُ المزايا والهبات *** وما تجودُ به الهممْ
ولعــالمٍ سهر الليالي *** عاكفـاً فوق القـلمْ
ولزارعٍ أحيا المواتَ *** فأنبتــت شتى النعـم
ومقاتلٍ حُـرِمَ السهاد *** ولم يزل رهن الحممْ
بعض الفتاتِ لكي تعيـ *** ـش عِليّـةً كرةُ القدمْ
فبفضلها سيكون هذا *** الجيل من خير الأممْ
وبفضلها يأتي الصباحُ *** وينتهي ليلُ الظلمْ
وتُــردّ صهيونُ التي *** ما ردها علـمٌ وفهمْ

قاتل الله التعصب، يهوي بصاحبه إلى الحرام، بل يجعل من المسلم الذي يقول الله عنه: (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، إلى سافل يتبع محبوبه ويواليه، ويبغض مخالفيه.

قاتل الله التعصب، به رأينا شبابًا يوالون كفرة بالله، لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

شاهدنا شبابًا يحبونهم ويعلقون صورهم ويدافعون عنهم ويتبرؤون من منافسيهم!! شاهدنا شبابًا يبكون على هدف يضيع، أو لاعب كافر يصاب، أو لاعب يعتزل، شاهدناهم يطيرون لحضور مبارياتهم، والتصوير معهم ومعانقتهم، وتتبع أخبارهم!

ولن تجد مثل هذا الشعور لقضايا المستضعفين في كل مكان.

والإمام أحمد يُسأل عن حاله: كلما مر نصراني أغمض عينيه، فقيل له: لم تغمضُ عينيك -يرحمك الله-، فقال: لا أطيق أن أنظر إليه، أأنظر إلى رجل يكذب على الله ويفتري عليه ويقول: الله ثالث ثلاثة!!

يقول ابن باز -رحمه الله-: "إن محبّة الكفار وإعانتهم على باطلهم، وموالاتهم ومعاشرتهم ومصادقتهم والميل إليهم، واتخاذَهم أصحاباً وأخداناً ونحو ذلك هو من كبائر الذنوب، ومن وسائل الكفر بالله. أما التولي الذي هو محبتهم ونصرتهم ومساعدتهم فذلك كفر وردة".

اللهم إنا نعوذ بك من نزغات الشيطان، ونعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن أغنيته عنا.

معشر الفضلاء: إن الله –عز وجل- يقول: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)، وإن من ضوابط العمل الأحسن أن يتحرى المسلم به الأمكنة المقدسة والأوقات الفاضلة، وهذا الشهر من أفضل شهور العام، فهو شهر حرام، به نصر الله نبيه موسى -عليه السلام-، وخذل فيه فرعون وجنده، وقد صامه موسى -عليه السلام- شكرًا لله، وصامه محمد بن عبد الله؛ فعن أبي قتادة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: يكفر السنة الماضية، وقال أيضًا: إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.

اللهم اهدنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك...

موقع : ملتقى الخطباء

خطبة نبوية بليغة

ذكر البيهقى فى "الدلائل"، والحاكم من حديث عُقبة بن عامر، قال: 
خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة تَبُوك، فاسترقد رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة لمَّا كان منها عَلَى ليلة، فلم يستيقِظ فيها حتَّى كانت الشمسُ قِيدَ رُمح قال: "أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا بِلالُ اكْلأ لَنا الفَجْرَ"، فقال: يا رسول اللهِ؛ ذهب بى من النومِ الذى ذَهَبَ بك، فانتقلَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلكَ المنزل غيرَ بعيد، ثم صلَّى، ثم ذهب بقِيةَ يومه وليلته، فأصبح بتَبُوكَ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهلُه، ثم قال: "أمَّا بَعْدُ.. 

فَإنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وأَوْثَقُ العُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَخَيْرُ المِلَل مِلَّةُ إبراهيمَ، وخَيْرُ السَّنَنِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ، وأَشْرَفُ الحَدِيثِ ذِكْرُ اللهِ، وأَحْسَنُ القَصَصِ هذا القُرآنُ، وخَيْرُ الأُمُورِ عَوَازِمُها، وَشَرُّ الأُمُور مُحْدَثَاتُها، وأَحْسَنُ الهَدْى هَدْىُ الأَنْبِيَاءِ، وأَشْرَفُ المْوتِ قَتْلُ الشُّهَداءِ، وأَعْمَى العَمَى الضَّلالةُ بَعْدَ الهُدَى، وخَيْرُ الأعْمَالِ مَا نَفَعَ، وخَيْرُ الهُدى ما أتُّبعَ، وشرُّ العَمَى عَمَى القَلْبِ، واليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، ومَا قَلَّ وكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وشَرُّ المَعْذِرَةِ حِينَ يَحْضُرُ المَوْت، وشَرُّ النَّدامَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، ومِنَ النَّاسِ مَنْ لاَ يأْتى الجُمُعَةَ إلا دُبُراً، ومِنْهُم مَنْ لاَ يَذْكُرُ اللهَ إلا هُجْراً، ومنْ أَعْظَم الخَطَايَا اللِّسانُ الكَذَّابُ، وخَيْرُ الغِنى غِنى النَّفْسِ، وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقْوى، وَرَأْسُ الحُكْمِ مَخَافَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرُ مَا وَقَرَ فى القُلوبِ اليَقِينُ، والارْتيابُ مِنَ الكُفْرِ، والنِّياحَةُ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ، وَالغُلُولُ مِنْ جُثا جَهَنَّمَ، والسُّكْر كَىٌ مِنَ النَّارِ، والشِّعْرُ مِنْ إبْلِيسَ، والخَمْرُ جماعُ الإثْمِ، وشَرُّ المَأْكَلِ مَالُ اليَتِيمِ، والسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِه، والشَّقِىُّ مَنْ شَقى فى بَطْنِ أُمِّهِ، وإنَّما يَصِيرُ أَحَدُكُم إلى مَوْضِع أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، والأَمْرُ إلى الآخِرَةِ، ومَلاكُ العَمَلِ خَوَاتِمُهُ، وشرُّ الرَّوَايا رَوَايا الكَذِب، وكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وسِبَابُ المُؤْمِنِ فُسوقٌ، وقِتَالُه كُفْرٌ، وأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، ومَنْ يتألَّ عَلى اللهِ يُكَذِّبْه، ومَنْ يَغْفِرْ يُغْفَرْ لَه، ومَنْ يَعْفُ، يَعْفُ اللهُ عَنْهُ، ومَنْ يَكْظِم الغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللهُ، ومَنْ يَصْبِرْ عَلى الرَّزِيِّةِ يُعَوِّضه اللهُ، ومَنْ يَبْتَغِ السُّمْعَةَ، يُسَمِّع اللهُ بِهِ، ومَنْ يَتَصَبَّر، يُضْعِفِ اللهُ لَهُ، ومَنْ يَعْصِ اللهَ يُعَذِّبْه الله".. ثم استغفر ثلاثاً.
                                                                
                                                                   زاد المعاد : ج3 ص556

الجمعة، أكتوبر 18، 2013

هرمون الاوكسيتيسون

معروف باسم هرمون العناق، لكن يبدو أن المادة الكيميائية التي تساعد في الوقوع في الحب قد تكون مسؤولة أيضا عن إطالة أمد العذاب من فراق الحبيب عندما تفشل العلاقة.فقد نشرت صحيفة ديلي تلغراف أن العلماء اكتشفوا أن هرمون أوكسيتوسون، الذي يقوي مشاعر الحب والعلاقة الاجتماعية، يلعب أيضا دورا في تحريك الذكريات العاطفية المؤلمة في المخ. ووجدوا أن هذا الهرومن يزيد حساسية الشعور بالهم والخوف عقب تجربة مرهقة أو سلبية.
وهذا قد يفسر لماذا مشاعر الحب القوية يمكن أن تؤدي أيضا إلى حزن مؤلم، مما قد يجعل من الصعب المضي قدما إذا ساءت العلاقة.
والجدير بالذكر أن أوكسيتوسون يعتبر عادة عاملا مقللا للتوتر بناء على عقود من البحث، لكن الدراسة الجديدة أظهرت كيف أنه يعزز الخوف بدلا من تقليله، وأين تحدث التغييرات الجزيئية في الجهاز العصبي المركزي للإنسان.
وقال الباحثون إن نتائج الدراسة يمكن أن تساعد في تطوير طرق جديدة لمساعدة الناس في التغلب على العواطف والذكريات السلبية، وقد تم اختبار الهرمون بالفعل للاستخدام في معالجة الناس المصابين بالاكتئاب.
ويعتقد الباحثون أن فهم الدور المزدوج لمنظومة أوكسيتوسون في تحفيز أو تقليل القلق، بناء على السياق الاجتماعي، يمكن أن يعطي أفضل النتائج في العلاج بهذا الهرمون بحيث تحسن الرفاهية بدلا من تحفيز ردود الفعل السلبية.

المصدر : صحيفة ديلي تلغراف

قصيدة الحديد و النظام الجديد

الحديد و النظام الجديد

الأستاذ : عادل عبد الوهاب عبد الماجد

( كتاب ) يقدح الأنوار  
 يهدي كل حائر
بدر تبدّى    
فيه تنقية السرائر
وهج يصوغ المجد
ينفذ في سويداء الضمائر
معه ( الحديد ) و بأسه
فيه الشفاء لكل جائر
في حده التمييز
ما بين المهازل و المفاخر
هذي دعائم دولة
 قدسية الأحكام
فيها العدل يسمو بل يفاخر
*****
قد جاء هذا في حديث مليكنا
ذي الحول و البطش الشديد
في سورة فيها الكتاب منزل
في قول أنزلنا الحديد  
لاقامة  الميزان  بين العالمين
و نصرة الدين الرشيد
هذي دعائم دولة القرآن
و الذكر المجيد
حيث الأمان يعانق الإيمان
في أبهى المظاهر
****
فالقائد الأعلى إمام
قائم بالقسط في حزم و دين
قوي أمين حين يقضي
ليس يبطش أو يلين
بل يشفع الأقوال بالأفعال
حين يهدد الأشرار يوما
أو يثيب الخيرين
لا يحابي حين يحكم أو يصادر
****
و يساند السلطان في هذا الجهاد
في نشر خير واجب أو مستحب
 أو محاربة الفساد
ليتم حكم الشعب بالقرآن
في كل البلاد
يسانده بصدق
كل طاهرة و طاهر
****
عندها تأوي الكلاب
الى متاهات الهضاب
و تهيم في البيداء
قطعان الذئاب
 حتى الثعالب تنزوي  
لا تستطيع المكر
 أو ترجو الخراب
و تطير أسراب الحمام
تظلل الأجواء تمحو
كل وهم أو سراب
و الأرض خضراء
 تزينها الفراشات الجميلة
ماؤها عذب
يغطيها السحاب
فالعدل مبسوط
 بحكم الشرع
من وحي الكتاب
و الأمن محفوظ
و سيف الحق
في الأرجاء هادر
****
أما إذا غاب الكتاب عن الشهود
و صار القمع و الإرهاب
 من ضمن الجنود
و سُلٍّط السيف الحديد
على الرقاب مخالفا
كل الشرائع والعهود
ليدُكَّ في جشع
 تضاريس الأنام بلا قيود
و تحركت كل الأيادي الآثمات
تعيث في الأرض الفساد
 بلا حدود
طمست مخالبها سطور العدل
جهرا من قواميس الوجود
و تيبَّست كل الشفاه
و صودرت كل الحناجر  
و أصبحت لغة الخناجر
 و الخنادق و البنادق
في إعلامنا لغة المنابر
****
فهناك تنتحر العدالة
 بل يواري جسمها
وحلُ التراب
يَسوَدُّ وجه الأرض
ينعق في نواحيها الغراب
و تجول في الأرجاء تنبح
كل قطعان الكلاب
وهناك  ينتحب العفاف
 فأهله قتلوا
و قد فقد المُوَاسي
و المُعَزِّي والصحاب
و هناك تغدو
كل حملان القطيع
وحوش غاب
تتطاول الجرذان
 في سفه
على الأسد الجريح
 تذيقه من كل أنواع العذاب
و الحاكم السفاح يبطش
ليس يذكر حين يلقى الله
أو يخشى العقاب
يؤيده بخبث
كل فاجرة و فاجر
و تصول في الميدان
 دون تحرج
كل المخالب و الأظافر
****
لكن قانون السماء
سينصر المستضعفين
حتى و لو مكث الذباب
 هنيهة فوق الجبين
حتى و لو هاجت جيوش النمل
 في طيش
و حاصرت العرين
قسما برب الكون
و الآيات و الحبل المتين
لابد أن يعلو
 ضياء الفجر براقا
لينبض من شرايين اليقين
سيفيض يقتلع الضباب
مزمجرا
و يزيل أوجاع السنين
و يسجل التأريخ أمجادا
يسطرها بفخر
كل صابرة و صابر
****
هذي سنة الجبار فينا
لا تبدل أو تغير في الدفاتر
لا يصادرها رقيب أو عميد
أو سَلوليٌ مكابر
 و ليس تدور حين تدور
في كل المحاور
في غير دار الظالم
 الجاني الدوائر
أبو المقداد

الثلاثاء، سبتمبر 24، 2013

مظاهرات السودان

----------------- المظاهرات و الاحتمالات المنطقية --------------------
                                                           الاستاذ عادل عبد الوهاب
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و بعد :
*احتمالات تغيير منكرات النظام و اصلاح فساده عبر المظاهرات :

الاحتمال الأول : زوالها بالكلية و حلول الخير و النماء
الاحتمال الثاني : نقصانها و التقليل من انتشارها
الاحتمال الثالث : ظهور منكرات مساوية لها
الاحتمال الرابع : ظهور منكرات اكبر منها

*احكام هذه الاحتمالات:

في الاحتمال الاول : الانكار واجب ، لان ازالة المنكر واجبة . و من الادلة على ذلك قوله تعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(104) .آل عمران.

في الاحتمال الثاني : الانكار واجب ، لأن تقليل الفساد واجب ان لم نقدر على ازالته .
ومن الادلة على ذلك حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه حيث قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :« من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ». أخرجه مسلم
في الاحتمال الثالث : الانكار و عدمه سواء ، لأنه لن يغير شيئا .و من الأدلة على ذلك قوله تعالى (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41))يونس

في الاحتمال الرابع : الانكار محرم ، لأن النتائج ستكون عكسية ، و الفساد سيتضاعف ، و الشريعة تدعو الى ترك الانكار اذا كان يؤدي الى منكر اكبر ، و من الأدلة على ذلك قوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) )الانعام

* وجهة نظر :

بالنظر الى واقعنا المعاصر ، و نتائج المظاهرات المشاهدة  فالاحتمال الذي تحقق هو الاحتمال الرابع (و حكمه التحريم) لان المظاهرات لم تقض على الفساد و كذلك لم تقلل من انتشاره بل زادت الفساد و الخراب ، و هيأت الجو للمفسدين لتسوية الحسابات الشخصية ، و مهدت المناخ للسفهاء ليصلوا الى مآربهم الدنيئة ، و الضحية هم المواطنون البسطاء واصحاب المحلات و المتاجر و الكادحين من اجل لقمة العيش ، لهذا و غيره قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه  ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة ٌ جاهلية) متفق عليه .


*مع العلم بان المظاهرات حولها الملاحظات التالية :
 
1- لافتاتها المرفوعة متباينة و احيانا متعارضة ( فمنهم من يريد اسقاط النظام ، و منهم من يريد اصلاح النظام ، و منهم من يريد المشاركة في النظام ، و منهم من له شعاره الخاص)

2- نتائجها مجهولة و خارجة عن السيطرة ( بدايتها تكون معلومة ، اما نهايتها و ما يترتب عليها فليس الى معرفتها سبيل )

3- عناصرها و افرادها ذوي انتماءات مختلفة ، و مرجعيات متناقضة (خليط غير متجانس من النكرات ، و مجهولي الهوية ، و الأُميين ، والمثقفين  ، و العمال ، و الموظفين ، و الاكاديميين ، والسياسيين ، و العملاء ، و الجواسيس ، و السفهاء ، و غيرهم )

4- أدواتها مخربة و مهلكة ( الحرق ، التدمير ، النهب ، السلب ، القتل)

و الحل طويل الأمد ، و يحتاج الى صبر و جلد ، و مفتاحه قوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )  ، و قد ربَّى النبي صلى الله عليه و سلم اصحابه 21 عاما ثم فتح بهم مكة في السنة الثامنة للهجرة .. فلكل مقام مقال و لكل حال حال .. و لا بد من المضي قدما  في ميدان التربية و الاصلاح الاخلاقي  ، بعزم أكيد ، و سعي حثيث ، و نفس طويل ، فعندما يتغير المحكوم حتما سيتغير الحاكم ، كما انه :
قــــــد يدرك المتأني بعض حاجته * و قد يكون مع المستعجل الزللُ

الاثنين، سبتمبر 16، 2013

ثنائيات رباعية (3)



ثنائيات رباعية في العلوم النقلية و العقلية (3)

(القوة و الأمانة)
الاستاذ عادل عبد الوهاب



الحمد لله و كفى ، و الصلاة و السلام على نبيه المصطفى ، و آله و أصحابه أهل الأمانة و الوفا ، و بعد :

القوة و الأمانة  صفتان محبوبتان بين الناس ، مرغوبتان عند البشر ، و القوة تشمل القوة البدنية ، و الشجاعة القلبية ، و الفصاحة اللسانية ، و الحصيلة العلمية ، والمكانة الإجتماعية المتمثلة في الشهرة و المال والأتباع ، و كذلك الهمة العالية ، و العزيمة الماضية ، و المبادرة الفاعلة ، فكل واحدة من هذه الصفات تمثل مظهرا من مظاهر القوة ، و هي متفاوتة بين البشر . أما الأمانة فجوهرها الصدق ، و حسن الخلق ، و نقاء السريرة ، و المروءة ، و كل ما جاءت به الرسالات من مكارم الأخلاق ، و محاسن الصفات ، و الناس فيها كذلك منازل متباينة  ، و مراتب شتى ، و قد انقسموا باعتبارهما إلى أقسام أربعة :



الأول : من له أمانة و ليس له قوة

 و هذا أوسطهم حالا ، اجتمع فيه خير و شر ، و خيره غالب على شره ، فيكون أمينا صادقا ، تقيا ورعا ، مخلصا ، حسن الخلق ، لكنه ضعيف في بدنه ، أو  فقير لا يملك شيئا من حطام الدنيا ، أو سلبي ليس له أثر فيما حوله ، أو قليل العلم ، أو عاجز عن التعبير السليم عن نفسه أو عن غيره . و هذا النوع هو الذي استعاذ منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال ( اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر ، و عجز التقي) .

 و الضعف قد يكون عارضاً يزول بزوال أسبابه كما كان حال النبي صلى الله عليه و سلم و المسلمين في بداية الدعوة ، و دعاؤه مشهور بعد حادثة الطائف و تطاول السفهاء  عليه حين قال (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ،يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين...)فيض القدير ج2 ص150 .

 فالضعف يكون ابتلاء من الله دون تقصير ، و صاحبه  مخفوض عند الناس ، لكنه مرفوع عند رب الناس ، كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ( رب أشعث أغبر ذي طمرين ، مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبره ) أخرجه الحاكم وغيره. و قال الشاعر :



رُبَّ ذي طمرين نِضْوٍ * يأمَنُ العَالَمُ شَرَّهُ

لا يُرى إلاّ غنيـــــــــاً * وهو لا يملكُ ذَرَّهْ

ثم لو أقسمَ في شيءٍ * على اللـــــهِ أَبَرَّهْ



و من صور ذلك :

-          الدعاة و المصلحون الذين يعانون من  محدودية العلم ، أو الضعف البدني ، أو ضعف اللغة ، أو قلة الإمكانيات ، أو  غيرها من مظاهر النقص و التقصير . وقد يكون ذلك بسبب سوء الفهم ، أو وهن العزيمة ، و فتور الهمة و هنا يظهر القصور الذاتي ، و النقص الشخصي فيصدق قول المتنبي :



و لم أر في عيوب الناس شيئا * كنقص القادرين على التمام



 و هذا من عجائب الأمور قرب الدواء و استفحال الداء ، و استحكام المرض مع تيسر اللقاح و العلاج ، و صدق من قال :

و من العجائب و العجائب جمة * قرب الشفاء و مـــــا إليه وصول

كالعيس في البيد اء يقتلها الظمأ * و المــــاء فوق ظهورها محمول



-          الأمة الإسلامية منهاجها خير منهاج ، و رسالتها أسمى رسالة ، لكنها ضعيفة بين الأمم ، لا قوة لها و لا كلمة ، بل أصبحت تبعاً لغيرها ، تتلقى المعونات ، و تستقبل الضربات ، و ترضى بالفتات من خيراتها المسلوبة ، و ثرواتها المغصوبة ، و ما دامت على هذه الحال فلن تزداد إلا ضعفا و تبعية ، لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، و لا يفُلُّ الحديد إلا الحديد ، و لا يغني الشجب و التنديد ، و من كان الضعيف فإن حجته ضعيفة ، و لا يطاع لقصير أمر (و هذا هو عجز الثقة) .

  هذا الواقع المرير يمكن تغييره ، و تلك الصورة المشوهة يمكن تحسينها ،  فالقوة كامنة في رسالتنا ، متغلغلة في مبادئنا التي سدنا بها العالم زمناً ليس بالقصير ، و حكمنا بها الدنيا :



و الليث ليث و لو كَلَّت مخالبه * و القرد قرد و إن لبس العمامة



الثاني : من له قوة و ليس له أمانة

 و هذا شرهم ، و أخبثهم ، و ضرره غالب على نفعه ، و خطره كبير ، حيث يكون قويا في بدنه ، أو كثير المال ، أو عظيم الجاه كثير الأتباع ، أو فصيح اللسان ، أو واسع الثقافة و الإطلاع ، لكنه لا يعرف الأمانة ، و لا يدري ما الصدق و الوفاء ، قبيح الخلق ، سيئ النية ، خبيث الطوية ، سخر ما عنده لنصر الباطل و نشره ، و حرب الحق و أهله ،  و من صور ذلك :



-          المنافقون من أجمل الناس منظرا ، و أحلاهم لسانا ، و أقواهم أبدانا ، و أكثرهم أتباعا و جمهورا ، لكنهم مرضى القلوب ، ضعاف النفوس ، يقولون ما لا يفعلون ، و يظهرون ما لا يبطنون ، فمظاهرهم خادعة ، و بواطنهم مظلمة ، و صدق الشاعر حين قال :



و هل ينفع الفتيان حسن وجوههم * إذا كانت الأخلاق غير حسان

فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى * فما كل مصقول الحديد يماني



قال الله عنهم (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) البقرة ، و قال عنهم (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المنافقون ، قال السعدي في تفسيره:

  [ (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) من روائها ونضارتها، ( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء، ولهذا قال: ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ )لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض، ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم ، والريب الذي في قلوبهم يخافون أن يطلع عليهم. فهؤلاء ( هُمُ الْعَدُوُّ ) على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين، ( فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، واتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء ].

و هؤلاء تحركهم مصالحهم ، و تقودهم شهواتهم ، و حكايتهم مع المجتمع كحكاية الثعلب المكار مع الديك الصداح ، والتي صورها الشاعر أحمد شوقي في  القصيدة الرمزية التالية :



بـــــرز الثــــعلب يـــــوما  *  في شعــار الواعظـــيــنا
فمشى في الأرض يهـدي  *  ويســـب المـــــــــاكرينا
ويقـول : الحــــــــــمد لله  *  إلــــــــــه العالمـــــــــينا
يا عبــــــاد الله توبــــــوا  *  فهو كــــــــهف التــائبينا
وازهــدوا في الطــــــير  *  إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبــــــوا الديك يؤذن  *  لصــــلاة الصــــــبح فينا
فاتى الديــــــــك رسول  *  من إمــــــــام الناســــكينا
عرض الأمـــــــر عليه  *  وهو يرجـــــو أن يليــــنا
فأجاب الديــــــك عذراً  *  يــــــــا أضل المهتـــــدينا
بلّغ الثعــــــــــلب عنّي  *  عن جدودي الصالــــحينا
عن ذوي التيجان ممن  *  دخل البطن اللعـــــــــــينا
إنهم قالوا وخــــــير الـ  *  قول قول العــــــــــارفينا
مخطئ من ظن يومـــاً  *  أن للثــــــعلب دينـــــــــا



-          و من صور ذلك الكفار الذين يملكون القوة و السلاح ، و المال والأنصار ، و أصبحت بيدهم مقاليد الأمور ، لكنهم حرب على الإسلام و أهله ، و هذا من مصائب الدهر ، و محن الزمان ، و علامات الساعة ، أن يتقدم السفهاء و يتأخر الفضلاء كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال : قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إذا ضيعت الأمانة ، فانتظر الساعة ، قيل : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله ، فانتظر الساعة ) . و لله در القائل :



رأيت الدهر يرفـع كل وغـــد * و يخفض كل ذي رتب شريفة

كمثل البحر يأخــــــذ كل حي * و لا ينفك تطفو فيه جيفــــــــة

و كالميزان يخفض كل واف * و يرفع كل ذي زنة خفيــــــــفة



و قد قال الله عنهم مبينا عداءهم المستحكم و حقدهم الدفين (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)البقرة 215 ، و مع ذلك نهى الله عز و جل عن الإستسلام لهذا الواقع العابر ، أو الإنهزام أمام هذا الطغيان الغاشم ، فقال لرسوله صلى الله عليه و سلم (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى الْبِلَادِ مَتَاعٌ ، قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)آل عمران 196-197، لأنه مهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر ، و صدق الشافعي حين قال :



تموت الأسد في الغابات جوعاً  *  و لحم الضان تأكله الكـــــــلاب

وذو سفهٍ ينـــــــــام على حرير  *  و ذو فضل مفارشه التـــــــراب





و من الأمانة أن نقول أن بعض هؤلاء قد نجد فيهم أمانة ، و رحمة ، و حسن خلق ، و رفق بالحيوان أكثر مما عند كثير من المسلمين ، و هي التي فتنت كثيرا ممن ينتسبون إلى الإسلام ، فاغتروا بما عندهم من فتات الأخلاق ، و سراب القيم ، لكن الفرق بيننا و بينهم أنهم يفعلونها عادة و إنسانية ، و المسلمون يفعلونها طاعة و عبودية ، و هي حسنات مغمورة في بحار سيئاتهم ، و أعمالهم يوم القيامة (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) النور 39-40



-          و مِن صور ذلك الفجار و السفهاء من أبناء المسلمين الذين يتجلدون في الباطل ، و يتحملون الصعاب ليصلوا إلى إرواء شهواتهم و إشباع نزواتهم ، من الظلم والبطش و الاحتيال ، و استضعاف الفضلاء ، و أكل المال بالباطل ، بلا حياء و لا تردد ، و كانهم صم عن قول الشاعر:



لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * فالظلم مصدره يفضي إلى الندمِ

تنام عيناك و المظلـوم منتبه * يدعو عليك و عين اللـــه لم تنمِ



-          و من صور ذلك أيضا الظلمة من حكام المسلمين و أعوانهم المتجبرون ، الذين يشددون على الرعية ، و يبطشون بالضعفاء ، و ينهبون و يسلبون قريبا أو بعيدا عن أعين الرقباء ، فهؤلاء و يل لهم كما قال الشاعر:



إذا خــــان الأمير و كاتباه * و قاضي الأرض داهن في القضاء

فويـــل ثم ويــل ثم ويـــل * لقاضي الأرض من قاضي السماء



فالدول تبقى مع العدل و إن كانت كافرة ، و تزول مع الظلم و إن كانت مسلمة .

الثالث : من ليس له قوة و ليس له أمانة

فيكون ضعيف البدن ، عليل الجسد ، قليل الحيلة ، أو فقيرا معدما ، و مع ذلك يكون بذيئا ، سيئ الأخلاق ، لا دين له و لا أمانة ، و هذا أتعسهم ، فلم يفلح في دين ، و لم ينجح في دنيا ، لا يألف و لا يؤلف ، و يصدق عليه المثل القائل ( لا في العير و لا في النفير) ، و حاله كلحم جمل غثٍّ ، على رأس جبل وعْرٍ ، لا سهلٌ فيُرتقَى ، و لا سمينٌ فيُنتقَى ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .  و من صور ذلك :

-          الشيخ السفيه ، و الأشيمط الزاني ، و العائل المستكبر كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم :  (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولهم عذاب أليم : أشيمط زان ، وعائل مستكبر ، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) فيض القدير ج3 ص436، و العائل هو الفقير الذي ينبغي أن يكون هينا لينا ، و الأشيمط هو الشيخ الكبير الذي ينبغي أن يكون بعيدا عن الزنا لضعف شهوته ، و انحراف الشيخ صعب العلاج ، لأن من شبّ على شيء شاب عليه ، و من شاب على شيء مات عليه ، و من مات على شيء بعث عليه ، هذا على التغليب و ليس على الدوام ، كما قال الشاعر :



وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده  *  وإن الفتى بعد السفاهة يحلم



-          الشباب الفاشل العاطل ، البعيد عن معاني الرجول ، المتصف بالميوعة و التخنث الذي تعجب الشاعر من حاله فقال :

و ما عجبٌ أن النساء ترجلت * و لكن تأنيث الرجال عجيب

و من أسباب ذلك الترف ، و الدلال الزائد داخل الأسرة ، و غفلة الآباء ، و ضعف التربية . و يلحق بهؤلاء المسترجلات من النساء فهم سواء ، هذا أضاع رجولته فتحول إلى نكرة ، و تلك فقدت أنوثتها فأصبحت لا شيء ، و رحم الله القائل :



تلقى فتـــــاة في ثياب ترجــــــــــل   *   فتخالها من جملة الفتيــــــــان

نفس الملابس و المجالس و الخطا  * لم يبق إلا الشعر في الأذقــــان

أو قد ترى في الوجه دون تعمــــد   *  عجبا من الأصباغ و الألــــوان

و إذا رايت جلوسهم و حديثهم  *   ورأيت أكواما على الميــــــدان

لرأيت من دول الأعاجم لوحـة   *   مرسومة بأنامل الشيطـــــــــان

و لسوف تقسم بالإله مجــاهرا   *   أن قد رأيت الغرب رأي عيـان





الرابع : من جمع بين القوة و الأمانة

 فيكون قويا في بدنه ، أو غزيرا في علمه ، أو كثيرا في ماله ، أو فصيحا في قوله ، أمينا تقيا رفيقا ، حسن الخلق ، وهذا خيرهم و أفضلهم و أنفعهم كما جاء في القرآن ( إن خير من استأجرت القوي الأمين) ، و كما جاء في الحديث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفى كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أنى فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) رواه مسلم

و من صور ذلك :

-          الشاب المستقيم ، الورع المتعفف ، و الحاكم العادل ، المنصف لرعيته ، فهؤلاء أقوياء و مع ذلك أمناء ، و هم من السبعة أصحاب الظل يوم القيامة ، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) و ذكر منهم  (إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ) وساق الحديث إلى آخره .

-          الداعية المتمكن ، غزير العلم ، واسع الاطلاع ، قوي الحجة ، حسن الخلق ، بليغ الخطاب ، قوي البدن ، المتفاعل مع مجتمعه  ، هو الداعية الحي ، و المربي القدوة ، الذي سيغير وجه الأرض .

-          الأمة الإسلامية  حين تتسلح بالإيمان ، و تتحصن بالعلم ، و تقوم صفا واحدا في مواجهة أعدائها كالبنيان المرصوص ، و حين تحقق قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)التوبة 60 تعود صاحبة الريادة و القيادة ، و الكلمة و السيادة  ، و يتحقق فيها قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) 110 آل عمران ، و لن يقف في وجهها عدو ، و تكون هي المعنية بقول الشاعر العشماوي متفائلاً :



صبح تنفس بالضــياء وأشرقا * الصحوة الكبرى تهـــــــز البيرقا
وشبيبة الإســــــلام هذا فيلق  * في ســـــــــاحة الأمجاد يتبع فيلقا
وقوافل الإيمان تتخذ المـــدى * دربا وتصنع للمحيـــــــط الزورقا
وحروف شعري لا تمل توثبا * فوق الشفاه وغيب شعري أبــــرقا
وأنا أقول وقد شرقت بأدمعي * فرحا وحق لمن بكى أن يـــــشرقا
ما أمر هذه الصحوة الكبرى  * سوى وعـــــد من الله الجليل تحققا
هي نخلة طاب الثرى فنــــما*  لها جذع قوي في الـــتراب وأعذقا
هي في رياض قلوبنا زيتونة * في جذعها غصن الكــــرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نـوره * أرني يدا سدت علينــــــــا المشرقا
يا نهر صحوتنا رأيتك صافيا * وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى

فجر تدفق من سيحبس نـوره * أرني يدا سدت علينــــا المشرقـــا







و نواصل حديثنا مع ثنائية أخرى بمشيئة الله

                                                     والله الموفق