شريط اعلانات

اخوتي في مشارق الارض و مغاربها .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. هذه مدونة متواضعة الهدف منها: -خدمة الشريعة .. - نشر العلم النافع .. - تصحيح ما تيسر من المفاهيم الخاطئة .. -الترويح عن النفوس ببعض الملح و النوادر و الحكم .. - و ان تكون صدقة جارية بعد مفارقة هذه الحياة الفانية .. والعضوية فيها مفتوحة لكل من يؤمن بهذه الاهداف ليشارك في خدمة الاسلام و نفع المسلمين . مشاركتكم تقوينا .. وتعليقكم ينفعنا .. و زيارتكم تشجعنا*** اقرأ في هذه المدونة : المظاهر خداعة -الاسلام دين الفطرة و الانسجام مع الكون - من طرائف الطلاب (من هنا و هناك) - علمتني الطبيعة - وحوش المجرة- يمكن البحث في مواضيع المدونة و أرشيفها من خلال زر البحث - و يمكن ترجمتها الى أكثر من 40 لغة من خلال زر الترجمة

الأربعاء، نوفمبر 28، 2012

كسوف الشمس اية الله في الكون القريب

كسوف الشمس آية الله في الكون القريب


الشمس في القرآن الكريم

الشمس التي خلقها الله سبحانه وتعالى آيةً عظيمةً في هذا الكون الذي يحيط بنا ورد ذكرها في القرآن الكريم لأغراضٍ شتى؛ فقد أقسم الله تعالى بها:
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ (الشمس:1)

ووردت على لسان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وهو يتحدى النمرود:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258)

وورد ذكرها على لسانه أيضاً صلى الله عليه وسلم وهو يتفكر في التوحيد:
﴿فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:78)

وجعلها الله حُسْباناً:
﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام:96)
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5)

و هي آية مسخرة بأمر الله:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54)
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (الرعد:2)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ (إبراهيم:33)
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (النحل:12)
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (العنكبوت:61)
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:29)
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ (فاطر:13)

وجعلها الله ضياءً وسراجاً:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس:5)
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ (نوح:16)

ورآها نبي الله يوسف عليه السلام في الرؤيا:
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف:4)

وجعلها الله لتوقيت الصلاة للناس، ولتسبيح رب العالمين:
﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ (الإسراء:78)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ (طه:130)
﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ (قّ:39)

وكان لها دور هام في حفظ أهل الكهف بإذن ربها:
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾ (الكهف:17)

وكانت علامةً على المدى الذي بلغه ذو القرنين في فتوحاته:
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ (الكهف:86)
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً﴾ (الكهف:90)

وهي تسبح في فلك خاص بها لا ينبغي لها أن تجاوزه:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الانبياء:33)
﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يّـس:40)

وهي تسجد لله تعالى خاضعةً راضية:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ (الحج:18)
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت:37)

وقد جعلها الله تعالى دليلاً على الظل:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ (الفرقان:45)

وكان بعض الأقوام يعبدونها جهلاً وكفراً:
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل:24)

وهي - ككل المخلوقات - لها مستقر تسعى إليه:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (يّس:38)
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (الزمر:5)

ولها أحوال عجيبة في يوم القيامة:
﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (القيامة:9)
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ (التكوير:1)

لكنها لا تزعج أهل الجنة بِحَرِّها، فهي غير موجودة:
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ (الإنسان:13)

الشمس بين الأساطير والعلم

الشمس، ذلك الجرم الكوني الذي ما تعلقت حياة البشر بجرم مثله، إنها نجم عظيم على مستوى قياساتنا البشرية، لكنها في رحاب الكون لا تشكل أكثر من ذرة غبار أو فقاعة مضيئة وسط الفراغات الهائلة التي تحوي مليارات المجرات في تركيب بديع أبدعه ربنا خالق كل شيء جل جلاله.

الشمس هي عميد أسرتنا الكوكبية، تشكل 99% من مادة المجموعة الشمسية، ويدور أتباعها حولها في انتظام عجيب، تسعة كواكب وعدد كبير من الأقمار والمذنبات والكويكبات والغبار الكوني، وتصنع هذه التوابع حولها مداراتٍ إهليلجية كل واحد منها على شكل قطع ناقص، وتقع الشمس في أحد محرقي القطع الناقص الوهمي الذي تشكله الأرض في دورتها حول الشمس، وكذلك الأمر في مدارات بقية الكواكب والتوابع، ويتطابق أحد المحارق دائماً في موقع الشمس لكل مدارات الكواكب والمذنبات وبقية الأجرام التابعة للشمس، إذاً هناك دائماً نقطة حضيض لكل جرم كوني تابع للشمس - أقرب نقطة في المدار من الشمس - ونقطة أوج لكل جرم كوني تابع للشمس - أبعد نقطة في المدار عن الشمس.

تبدأ قصة الشمس مع البشر منذ نشوء البشرية على هذه البسيطة، إنها قصة موغلة في القدم، إحدى بدايات هذه القصة تقول: إن حكماء الهنود فكروا في مشكل عظيم الحل؛ وهو أن الشمس تشغل أحد محرقي القطع الناقص للمدار فما الذي يشغل المحرق الآخر؟ ووجدوا الحل فيما يلي؛ بما أن شمسنا موجودة في أحد هذين المحرقين وهي أصل الحرارة والحياة لعالمنا، فقد تخيلوا أن ثمة شمساً أخرى في المحرق الآخر، وهي شمس غير منظورة، وهي أصل قوى الصداقة والحب في عالمنا كله.

أما عند هنود البيرو فتقول الأسطورة: إن أميرات مدينة "أينكا" الصغيرات أو بنات الشمس كُنَّ يركعن قرب الخيام أمام القناديل الخزفية التي يجب ألا تنطفئ أبداً، إنهن يحرسن هذا النور بانتظار النهار.

وتتابع الأسطورة أن " كندور الكبير" ذلك الطائر المعتبر سفيراً للسماء كان ينزل كل صباح ويأخذ بمنقاره أحد هذه القناديل ويطير بها كي يذهب خلف الأرض حيث تختبئ الشمس لكي يعطيها نورها من جديد.

أما التفكير البسيط لدى زنوج أفريقيا فقد أوحى لهم بأن ثمة موكباً من فرق الفيلة بقيادة معبودتهم "عزيزة" AZIZA ينزل حتى فرجة الغابة السرية حيث غابت الشمس مساءً، وتأخذ هذه الفيلة تدفع بأنيابها الكرة النارية العظيمة التي تحركها "عزيزة"، تدفعها نحو حافة التلال وتدحرجها وتعيدها مجدداً إلى السماء.

إن شمسنا هي أقرب النجوم إلينا وهي نجم عادي جداً، ندور حولها بسرعة تقرب من سبعين ألف ميل في الساعة، ولو تغيرت الكمية الإجمالية للإشعاع الشمسي بقدر قليل جداً فإن الحياة البشرية كما نعرفها ستصبح مستحيلة؛ سنتجمد  أو نحترق، لكن رحمة الله جعلت الشمس نجماً مستقراً للغاية، وليست نجماً نابضاً أو متفجراً.

يبلغ قطر الشمس الاستوائي (1392000) كم تقريباً، وهو عظيم بالمقارنة مع قطر الأرض الاستوائي الذي يبلغ (12756) كم، أو قطر الأرض القطبي الذي يبلغ (12714) كم، وتبلغ درجة الحرارة على سطح الشمس (5500) درجة مئوية، بينما تبلغ الحرارة في جوف الشمس (15000000) درجة مئوية، ويبلغ حجم الشمس (1303600) مرة من حجم الأرض، وتبلغ كتلتها (332946) مرة كتلة الأرض، إذاً الشمس أقل كثافة من الأرض إذ تبلغ كثافتها (1.409) مرة من كثافة الماء بينما تبلغ كثافة الأرض (5.517) مرة من كثافة الماء.

الشمس جسم غازي، والغاز قرب المركز مضغوط جداً وكثيف جداً بينما تكون المناطق الخارجية خفيفة جداً ومنخفضة الكثافة، ولا تدور الشمس كما يدور أي جسم صلب: المناطق المختلفة تدور بسرعات مختلفة؛ فالمواد القريبة من خط الاستواء تكمل دورتها في حوالي (25) يوماً أرضياً، بينما تستغرق المواد عند خط العرض (40) شمال وجنوب خط الاستواء (27) يوماً ونصف اليوم لتكمل دورتها، في حين تبلغ هذه الدورة عند القطبين (34) يوماً أرضياً، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في حركات البقع المظلمة على السطح.

يعرف سطح الشمس كما نراه بكرة الضوء (الفوتوسفير) وعليه تظهر البقع الشمسية، وكان غاليليو غاليلي أول من شاهد البقع الشمسية بالمنظار، ومن المعروف لدينا الآن أن الصينيين قد عرفوا بوجودها منذ وقت طويل، إذ أن بعض هذه البقع كبيرة الحجم بما يسمح برؤيتها بالعين المجردة إذا كانت الشمس عاتمة - بسبب اغبرار الأفق مثلاً - وهذه البقع (و تدعى الكُلف الشمسية) غالباً ما تكون معقدة البنية، فهي ذات منطقة مركزية مظلمة تسمى الظل محاطة بمنطقة خارجية أقل ظلمةً تسمى شبه الظل، وتظهر البقع على شكل صحون، إنها في الحقيقة مناطق أبرد من السطح المحيط بها إذ تبلغ درجة حرارتها (4500) درجة مئوية، فهي تظهر مظلمةً مقارنة بالسطح المضيء، وترتبط بالكلف الشمسية حقول مغناطيسية قوية، ويتغير عدد هذه البقع الشمسية دورياً على مدى ما يسمى بالدور البقعي، والحد الأدنى لعدد مجموعات هذه البقع (50) مجموعة سنوياً، بينما يتجاوز الحد الأقصى (500) مجموعة، إن هذه الدورة تغطي فترة زمنية تعادل (11) سنة، كما أن هناك فترات تغير أطول، وثمة بعض البقع الكبيرة تظهر في أي وقت خلال الدورة، وقد شوهدت مجموعة ضخمة في عام (1947) غطت مساحة قدرها (2000) ميل مربع .

غالباً ما تتعلق بالبقع الشمسية بقع مضيئة تسمى الصياخد (السباخ)، وتظهر كأنها في مستويات أعلى، وهي تشاهد عادةً بعد اختفاء الكلف وتستمر مدة من الزمن.

من الظواهر الشمسية الأخرى الملفتة للنظر ما يدعى بالشواظ الشمسية، وهي عبارة عن بقع لامعة تبدو منطلقة بعيداً عن سطح الشمس كأنها قطع من اللهب تتجه نحو الغلاف الخارجي للشمس والذي يدعى الإكليل الشمسي.

أحياناً يبلغ ارتفاع ذلك اللهب مئات الآلاف من الأميال، وهذه الشواظات تتكون من الغازات المتكاثفة خارج الإكليل بالإضافة للمواد المقذوفة من السطح.

إن دراسة الظواهر الشمسية تحتاج إلى معدات متطورة، فهناك المراصد الشمسية المتخصصة كالمرصد الموجود في (مونت ويلسون) في الولايات المتحدة الأمريكية، ومرصد (أرشتري) في إيطاليا، وهي مقرابات برجية تستعمل من أجل إظهار صورة مستقرة للشمس، ونظراً لأن الفلكيين الشمسيين يقومون بمشاهداتهم خلال النهار فإن عليهم تحمل الحرارة العالية , وللتغلب على هذه المشكلة يتم عكس صورة الشمس عبر البرج إلى غرفة تحت أرضية ثابتة الحرارة، حيث يتم إسقاط الصورة على شاشة أو تحلل بواسطة مطياف ومعدات أخرى مثل مرسمة الطيف الشمسي؛ وهي أداة ذات فائدة عظيمة تمكن المشاهد من النظر إلى الشمس في طول موجي خاص، وهناك بعض الأجهزة الأخرى مثل مرشح ليوت الأحادي اللون، ومرسمة الإكليل التي تتيح دراسة الإكليل الشمسي دون انتظار كسوف الشمس الكامل.

تتكون الشمس مبدئياً من النواة وعدد من الطبقات الرئيسية، في النواة تتولد كل الحرارة الهائلة التي تطلقها الشمس، تليها طبقة عريضة تدعى الطبقة التصعيدية وظيفتها نقل الحرارة إلى السطح على شكل إشعاعات، أما السطح الذي نراه بالعين المجردة فهو الكرة الضوئية، وهناك طبقة أخرى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة إلا عند حدوث كسوف كامل - حيث تظهر وردية اللون - ولا يزيد سمكها على (3000) ميل.

ووراء الكرة اللونية يوجد الإكليل وهو غير منظور إلا خلال الكسوف الكامل حيث يحيط القرص المظلم للقمر بهالة تتغير حجماً وبنيةً خلال دورة الـ (11) سنة للبقع الشمسية، إن الغاز في هذه المنطقة قليل الكثافة فعلاً حيث تتصادم الذرات بسرعات تنتج عنها درجات حرارة تقارب المليون درجة، ولو كانت كل الشمس تشع حرارتها بهذا المعدل لأصبحت الحرارة غير محتملة على الأرض.

تبين بالتحليل الطيفي أن الغاز الرئيسي في الشمس هو الهيدروجين حيث يشكل أكثر من (80%) من كتلة الشمس، يأتي بعده الهليوم وهو أخف الغازات بعد الهيدروجين، ومن الطريف أن نذكر أن الهليوم قد اكتشف لأول مرة في الطيف الشمسي قبل اكتشافه على الأرض، حدث ذلك عام (1868) حيث اكتشف الفلكي (نورمان لوكلير) خطاً (لفراونهوفر) - الطيف الإصداري للعناصر- لم يستطع إرجاعه لأي عنصر على سطح الأرض، وافترض أنه يعود لعنصر غير معروف أطلق عليه اسم (هليوم)، وهي كلمة إغريقية تعني الشمس، ولم يكتشف هذا العنصر على الأرض إلا بعد مرور ربع قرن، وبعد ذلك اكتشفت عناصر كثيرة في الطيف الشمسي مثل الكربون والآزوت والأوكسجين والمعدنين المتبخرين: المغنيزيوم والحديد وغيرها.

تضيء الشمس منذ آلاف الملايين من السنين، وكما تقول المعطيات العلمية فإن الشمس ستظل تفعل ذلك آلاف الملايين الأخرى من السنين إن شاء الله، ومبدأ إصدار الطاقة في الشمس هو مبدأ الاندماج النووي، حيث تندمج ذرات الهيدروجين في مركز الشمس عند درجات حرارة تتجاوز (15000000) درجة مئوية لتكون الهليوم مع انطلاق كمية كبيرة من الطاقة، إن القنبلة الهيدروجينية مؤسسة على هذا المبدأ.

يتم الاندماج في ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى تندمج نواتا ذرتين من الهيدروجين وهو أمر يحدث كل سبعة  آلاف مليون سنة حسب قوانين الاحتمالات الرياضية، وبتعبيرٍ آخر يصطدم بروتون مع بروتون آخر ويكونا الدوتريوم -نواة هيدروجين ثقيل- ونيوترينو ينطلق في الفضاء مع انطلاق جسيم يدعى البوزيترون، وهو شبيه بالإلكترون لكنه ذو شحنة موجبة، لا يلبث أن يقضي على إلكترون تائه.

وتحدث المرحلة الثانية بعد ثوانٍ قليلة، وفيها يندمج الدوتريوم مع نواة هيدروجين أخرى (بروتون آخر) ليتكون نظير للهليوم هو الهليوم3 وتنطلق كمية من الطاقة بشكل إشعاعات غاما ذات الطول الموجي القصير.

أخيراً - وذلك بعد أربعمائة ألفِ سنة - تندمج نظيرتان من هليوم3 لتعطيا نواة ذرة هليوم4 خاملة وعادية، مع انطلاق بروتونين سيشاركان في تكرار الأسلوب السابق بشكل متسلسل، ويعرف هذا الأسلوب باسم التفاعل: (بروتون - بروتون).

بعض النجوم لا تعمل بهذه الآلية لإنتاج الطاقة بل تعمل بنمط التفاعل كربون∞نيتروجين، وذلك خاص بالنجوم ذات الحرارة الداخلية التي تفوق الثلاثين مليون درجة مئوية.

لكي تكتمل دورة هذا التفاعل لا بد لها من سبعة ملايين سنة بالمقارنة بسبعة آلاف مليون سنة لدورة بروتون - بروتون.

من المعروف أن هذا النمط من إنتاج الطاقة يلزمه مليونان ونصف المليون من السنوات حتى يبدأ تفاعله حيث يصدم بروتون من البروتونات نواة الكربون12 التي تقوم بامتصاص هذا البروتون وتحوله إلى نواة نيتروجين13 وتبث طاقة على شكل أشعة غاما، ونيتروجين13غير مستقر فهو يتحول بسرعة إلى كربون13 وينتج عنه نيوترينو واحد ينطلق في الفضاء، وبوزيترون واحد يقابل في النهاية إلكتروناً تائهاً فيفني أحدهما الآخر على الفور، وخلال الدقائق العشر التالية يصدم بروتوناً من البروتونات الكربون13 الجديد ويحوله إلى نتروجين14 ويطلق أشعة غاما، وبعد أربعة ملايين سنة يصدم بروتون آخر النيتروجين14 ويحوله إلى أوكسجين1 ويطلق أشعة غاما، ويتحول الأكسجين15 الغير مستقر إلى نتروجين15 في خلال دقائق، فينطلق عنه نيوترينو واحد يضيع في الفضاء، وبوزيترون واحد يلتقي بإلكترون تائه فيفني أحدهما الآخر، وبعد حوالي عشرين سنة يصدم أحد البروتونات النتروجين15 فيشطره إلى نواة واحدة من الهليوم ونواة واحدة من الكربون12، وتترك هذه الأخيرة حرة لتبدأ الدورة من جديد.

تنبعث من الشمس إشعاعات بمختلف الأطوال الموجية بالإضافة للضوء المنظور، فهناك الأشعة السينية (X) القاسية التي يمكن رصدها بواسطة الصواريخ، وهناك الأشعة الراديوية التي يمكن دراستها من سطح الأرض.

يصطلح على تسمية الكمية الإجمالية للأشعة الواصلة إلى الأرض بالثابت الشمسي، ووجد أنه يساوي (1.95) حريرة / دقيقة / سنتيمتر مربع - أي أن كمية الحرارة في الدقيقة تكفي لتسخين (1) غرام من الماء بمقدار (1.95) درجة مئوية - ويبقى هذا المقدار ثابتاً مما يجعل الحياة ممكنة على الأرض.

يشع سطح الشمس طاقة قدرها (1500) حريرة من كل سنتيمتر مربع، ويصل ضغط الغازات في جوف الشمس إلى (200) مليار طن / سم2، وقد عبر الفلكي البريطاني (جيمس جينز) عن مقدار الطاقة في جوف الشمس بهذا المثال: لو أخذنا قطعة من مركز الشمس بحجم رأس الدبوس فإن هذه القطعة تكون قادرة على قتل إنسان يبعد عنها بمقدار (150) كم على الأرض.

يمكننا أن نتبين مقدار ضخامة الشمس إذا علمنا أنها تحول في كل ثانية (4.5) مليون طن من المادة إلى طاقة تصدرها إلى الفضاء المحيط بها، وهكذا فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في ثانية واحدة يزيد على مجموع الطاقة التي استهلكها الإنسان منذ فجر التاريخ حتى الآن، ورغم ذلك فإن مركز الشمس يطبق عليه الظلام الدامس لأن الشمس تصدر طاقتها محمولة على إشعاعات غير مرئية مثل الأشعة السينية وأشعة غاما، ومن رأفة الله بنا أن الشمس تمنع هذه الإشعاعات من الوصول إلينا عن طريق تخميدها بطبقات الشمس فوق النواة، ويبلغ طول طريقها إلى السطح (600000) كم، لكن الطاقة تستغرق (20000) سنة حتى تقطع هذه المسافة، بينما لا يستغرق الضوء خلال رحلته إلينا سوى ثماني دقائق بدءاً من سطح الشمس، فما نراه من طاقة الشمس ولد أثناء العصر الحجري للأرض.

تطلق الشمس سيولاً من الجسيمات الذرية الدقيقة كالإلكترونات والنترونات والبروتونات بشكل ريح تدعى الريح الشمسية، وهي المسؤولة عن تشكيل أذيال المذنبات وتكوين الشفق القطبي، وتقع هذه الجسيمات في أسر جاذبية كوكب الأرض وتشكل أحزمة متأينة تسمى أحزمة (فان ألين) نسبة للعالم الذي اكتشفها وذلك حين وضع عدَّاداً للجسيمات على متن القمر الصناعي الأمريكي (إكسبلورر-1) في  شباط / 1958/.

وقد بينت الدراسات أن الشمس تفقد في الثانية الواحدة ما يزيد عن مليون طن بشكل جسيمات، ولعل من أغرب الجسيمات التي تطلقها الشمس نتيجة تفاعلاتها جسيم عديم الشحنة وعديم الكتلة يدعى "النيوترينو"، وهذا الجسيم لا يستغرق في العبور من مركز الشمس إلى سطحها سوى ثانيتين فقط لأنه لا يعاني من التصادمات بسبب انعدام حجمه تقريباً، ولاصطياده وضع العلماء خزاناً مملوءاً بمادة (فوق كلور الإيثيلين) سعته (400000 لتر) في منجم مهجور للذهب على عمق آلاف الأمتار في ولاية داكوتا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويكشف عنه بسبب تحويله أحد النظائر المشعة للكلور الذي يبلغ وزنه الذري (37) إلى نواة النظير المشع للأرغون (37)، عندها يحصي العلماء عدد ذرات الأرغون الموجودة في الخزان وهو نفس عدد (النيوترينوات)، وبذلك يتنبئون عن نشاط الشمس.

الكسوف والخسوف

عندما يمر القمر بين الأرض والشمس يحجب الأخيرة عن الرؤية مسبباً الكسوف، كذلك عندما يمر القمر عبر ظل الأرض ينقطع عنه ضوء الشمس ويحدث الخسوف.

إن القمر لا يختفي تماماً في الخسوف وإنما يظهر بلون أحمر، والسبب في ذلك أن الغلاف الجوي للأرض يعمل كعدسة تكسر ضوء الشمس فيصل بعضه إلى القمر.

لكن السؤال الذي يخطر ببال كل منا هو لماذا لا يحصل الكسوف والخسوف كل شهر في وقتي البدر الكامل والهلال الجديد؟

يكمن السبب في كون مستوي مسار القمر لا ينطبق تماماً على مستوي حركة الأرض، فينتج عن ذلك أن يمر القمر وقت الهلال الجديد فوق الشمس أو تحتها بدلاً من المرور أمامها، وللسبب نفسه يمر القمر قريباً من ظل الأرض بدلاً من العبور خلاله، والكسوفات الكلية نادرة لأن منطقة الظل - وهي مخروط معتم يسببه القمر- تصل بالكاد إلى الأرض وبالتالي تكون مساحة وعرض منطقة مشاهدة الكسوف الكلي ضئيلة وتقع فوق المحيطات في أحيان كثيرة.

على أن هناك منطقة كبيرة خارج نطاق الكسوف الكلي يمكن فيها مشاهدة الجزء الشمسي الذي أصبح مظلماً ويدعى الظليل أو شبه الظل حيث يكون الكسوف جزئياً، إذاً لكسوف الشمس ثلاثة أنواع: الكسوف الكلي وذلك عندما يحجب قرص القمر قرصَ الشمسِ كلياً، وهناك الكسوف الجزئي وهو الأكثر شيوعاً حيث يحجب القمر جزءاً من الشمس، وهناك الكسوف الحلقي عندما يكون المساحة الظاهرية لقرص القمر أصغر من المساحة الظاهرية لقرص الشمس عندئذٍ تُرى حلقة مضيئة من الشمس حول القمر (حدث كسوف حلقي في صحراء شمال أفريقيا في كانون الأول من عام 1955).

وشبيه بحالات الكسوف حالات العبور للكواكب الداخلية أمام الشمس (عطارد والزهرة) حيث يستفاد منها في معرفة بعد الكوكب، ومن الجدير بالذكر أن حالة عبور للزهرة قد سجلت في العام (2004).

هناك تقسيم آخر لأنواع الكسوف: الكسوف المركزي والكسوف اللامركزي، في الكسوف المركزي يكون مخروط ظل القمر طويلاً إلى الحد الذي يقطع معه الكرة الأرضية بمنطقة لها شكل مقطع بيضوي، ويبلغ عرض الحزمة الكسوفية - أي ظل القمر على الأرض - (260 كم) ويتوضع خط الكسوف الكلي في مركز المقطع البيضوي، أما إذا لم تصل قمة مخروط ظل القمر إلى سطح الأرض فعندئذٍ يكون الكسوف الكلي عالياً فيُرى من الأرض الكسوف الحلقي حيث يبلغ عرض منطقة الكسوف (375) كم، أما منطقة شبه الظل فيبلغ عرضها (7000) كم. (من المراقبات الطريفة التي تمت للكسوف الكلي العالي أو الحلقي المنخفض تلك المراقبة التي جرت لكسوف /30/ حزيران/1973، ففي ذلك الكسوف حلقت إحدى طائرات الكونكورد البريطانية المجهزة لأبحاث الفضاء وارتفعت حتى وصلت إلى ظل القمر ورافقت مساره بحيث تمكن العلماء على متنها - بمن فيهم عالم الفضاء البريطاني "جون بكمان" - من مشاهدة كسوف كلي للشمس لمدة /72/ دقيقة، مع العلم أن ظل القمر يتحرك فوق الأرض بسرعة / 3000 / كم/ ساعة، بينما كان المراقبون على الأرض في نفس الوقت يشاهدون ذلك الكسوف حلقيّاً).

أما الكسوف اللامركزي فهو حالة خاصة تحصل في المناطق القطبية حيث لا يوجد خط مركزي - أي رأس مخروط ظل القمر - إذ لا يتمكن من بلوغ سطح الأرض.

إن منظر الكسوف الكلي رائع للغاية، فحينما يغطي القمر كامل قرص الشمس نستطيع أن نرى إكليل الشمس والمشاعيل المحيطة بها، وهي التي لا نستطيع رؤيتها في الأحوال العادية بسبب شدة وهج الشمس، والمشاعيل عبارة عن دفقات من الغاز تندفع وراء محيط الشمس، وقد يبلغ ارتفاعها (600000كم).

أما الإكليل فهو هالة شفيفة عظيمة من الغاز تغلف قرص الشمس على الدوام، إلا أن شكلها يختلف من حين لآخر ومن كسوف لآخر.

إن لحوادث الكسوف والخسوف ترتيب معين يتكرر خلال فترة زمنية ثابتة، وقد كان الكلدانيون أول من لاحظ ذلك فقاموا بحساب تلك الفترة الزمنية فوجدوها تساوي ثمانية عشر عاماً وأحد عشر يوماً وثلث اليوم، وأطلقوا على هذه المدة اسم: الساهور أو الساروس، فكلما انتهى دور ساهور عادت ظواهر الكسوف والخسوف إلى الترتيب التتابعي السابق ذاته.

أما أهل الصين فقد نظروا للأمر من وجهة نظر أسطورية حيث أمكنهم التنبؤ ببعض حالات الكسوف والخسوف، وكانوا يعتقدون أن الشمس في الكسوف يبتلعها تنين ضخم فيجتمع الأهالي محدثين ضجةً ضخمة لإخافة التنين وإبعاده بالقرع على الأواني المعدنية، وكانوا دائماً موفقين في طرده، وما زالت هذه العادة الجاهلية منتشرة عند بعض الناس.

ويحكي التاريخ أن فلكيي البلاط الصيني  (هْسِيْ HSI وهُوْ HO) لم يوفَّقا في التنبؤ بكسوف الشمس فأُعْدِما نتيجة تعريضهما سلامة العالم للخطر.

لقد كان الخوف من حوادث الكسوف والخسوف لدى الشعوب البدائية يرجع إلى القتال الذي كان ينشب - حسب اعتقادهم - دون انقطاع بين الشمس "مصدر الحياة" والقمر "أصل الألم والموت".

أما بالنسبة للفراعنة المصريين فكانت (الأبابي Ababi) - تلك الحية الكبرى القاطنة في أعماق النيل السماوي - تتوصل إلى ابتلاع القارب الشمسي الذي كان يمتطيه معبودهم الشمسي (رَعْ) كي يطوف على ملكه، ودوماً كان المدافعون عن رَعْ يغلبون هذه الحية ويلقونها في الهاوية.

ومن المعروف أن الفرعون المصري "أمنحتب الرابع" الذي عاش بين (1375- 1358 ق.م) قام بتوحيد الديانة المصرية ودعا إلى عبادة معبود واحد هو الشمس وسماه "آتون" وسمى نفسه "إخناتون" أي روح "آتون".

وفي أفريقيا تروي الأسطورة أن الغالب في صراع الشمس والقمر لا يتمكن من الاستمتاع بغلبته, فإذا كانت الشمس هي الغالبة وابتلعت القمر فإنها تشعر ببرودة كبرى في جوفها وتضطر في النهاية إلى طرحه، وإذا كان القمر هو الذي ابتلع الشمس فإن جوفه يحترق احتراقاً كبيراً حتى أنه لا يستطيع الاحتفاظ بها، إنها معركة دون هوادة يحددها دوماً قرع الطبول وصراخ الجنود الذين يشجعون المقاتل المخذول ريثما تستعيد الأشياء مجراها الطبيعي.

من الحوادث الطريفة أن معركةً جرت بين (الميديين) و(الليديين) في آسيا الصغرى قبل الميلاد صادف وقتها كسوف للشمس، فامتنع الطرفان فجأةً عن القتال وتعانق الخصوم وسط بحور الدماء لاعتقادهم أن الآلهة غاضبة من قتالهم، ولا بد أن الكثيرين يعرفون قصة الرحالة كريستوف كولومبس حيث تعرض أسطوله لعواصف عاتية في أواخر شباط عام (1504) قرب جزر جامايكا في البحر الكاريبي، فطلب من إحدى قبائل الهنود الحمر بعض المؤن لأسطوله فامتنع الهنود عن تقديم ما طلب كولومبس، فأخبرهم أن معبوداتهم ستغضب من تصرفهم هذا وستكون علامة غضبها أن القمر سيغوص في بحرٍ من الدماء، وكان كولومبس يملك تقويماً قديماً يتنبأ بخسوف القمر في اليوم التالي، وعندما بدأ لون القمر يتحول للأحمر سارع الهنود لتقديم كل ما طلب منهم مع طلب العفو من المعبودات التي يعبدونها من دون الله.

ومن المعروف أن شعوب أمريكا الأصلية تملك تراثاً كبيراً في المجالات الحضارية المختلفة، لكن الأساطير كانت تطغى في أحيان كثيرة.

تقول أسطورة من المكسيك: إن الشمس الرابعة أشرقت في مكان يُدعى (تيوتيهواكان) بعد أن انطفأت الشموس الثلاث السابقة، وعندما ماتت تلك الشمس ومات معها الناس سئمت الأوثان التي لم تعد تجد من يقدسها، فاجتمعت في (تيوتيهواكان) واتفقت على أن تتحول إحداها إلى شمس والأخرى إلى قمر، وأقيمت محرقة عظيمة، فتقدم الوثن الفقير الشجاع (ناناواتزن) وألقى نفسه في النار دون تردد فتحول إلى شمس، أما (تيكتزيتكاتل) - الوثن الغني الذي كان يتباهى دائماً بشجاعته - فقد تردد قبل أن يلقي بنفسه في المحرقة، فتحول إلى قمر شاحب شعاعه انعكاس لشعاع الشمس، ومن هنا جاء اسم الهرمين في شمال مدينة مكسيكو.

وتذكر الموسوعة البريطانية أن إحدى قبائل الهنود الحمر قدمت أثناء احتفالها بتنصيب ملكها ثمانين ألف ضحية بشرية من الأسرى لمعبودهم الشمس.

الإسلام وآيتَي الكسوف والخسوف
لا بد لنا في هذا السياق من الإشارة إلى نظرة الدين الإسلامي لهذه الظاهرة، في البدء نقول: إن المعنى اللغوي لكلمة الكسوف هو الاستتار أو التغير إلى سواد، وتوصف به الشمس حين يستتر نورها وتَسْوَدُّ بحيلولة جرم القمر بينها وبين الأرض، أما الخسوف فهو المحو أو النقصان أو الذل ويوصف به القمر حين يظلم.

من المعروف أن العلماء العرب قد توصلوا إلى تعليل الكسوف تعليلاً علمياً، ولهم رسائل في كسوف الشمس وخسوف القمر، وأنجزوا العديد من الأدوات التي تساعدهم في حساباتهم الفلكية، وقد كان للإسلام نظرة علمية موضوعية لمسألتي الكسوف والخسوف؛ فعن المغيرة بن شعبة أنه قال: (انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم - ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي").

إذاً كانت نظرة الإسلام أول نظرة علمية موضوعية لهاتين الظاهرتين السماويتين، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (فصلت: 37).

تسن في الكسوف والخسوف الصلاة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة)، وهي ركعتان طويلتان في كل ركعة ركوعان وقيامان وسجودان، ويسن لها الاغتسال، وأن تكون جماعة في المسجد، وتجوز صلاة النساء مع الرجال، ويجهر بالقراءة في صلاة الخسوف ويسر بها في الكسوف، وتسن بعدها خطبة كخطبة الجمعة، وقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الناسَ في خطبة الكسوف بالصدقة والذكر والتعوذ من عذاب القبر وعتق العبيد، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت:" لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في كسوف الشمس".

إن لصلاة الكسوف فوائد كثيرة منها على المستوى الصحي إشغال الناس بالصلاة عن النظر إلى الكسوف وبالتالي حماية أعينهم من الأذى في ذلك الوقت الذي لم يكن الناس يملكون فيه أدنى فكرة عن الإشعاعات الشمسية، بالإضافة لاشتغال الناس بالصلاة عن الهلع الذي قد ينتابهم بسبب الكسوف والخسوف، وتحويلهم من ظلام الخرافات والجهل والشرك بالله تعالى إلى نور الحق والخضوع لله تعالى عن بصيرةٍ وتفكر.

بعض حالات كسوف الشمس وطرائفها

أطول كسوف كلي معروف دامَ /7/ دقائق و/31/ ثانية، ومع أن هذا الكسوف لم تتم مراقبته لكن كسوف/20/ حزيران/1955/ الكلي فوق جزر الفلبين دام /7/ دقائق و/8/ ثواني.

أما أقصر امتداد زمني لكسوف كلي فقد حصل في /3/ تشرين أول /1986/ وكان كسوفاً حلقياً تخلله كسوف كلي مدة عُشْرِ الثانية فوق شمال المحيط الأطلسي.

أطول مدة ممكنة للمرحلة الحلقية هي /12/ دقيقة و/24/ ثانية، وأطول مسار لكسوف شمسي كلي عبر سطح الأرض هو /272/ كم.

وأول تنبؤ معروف لكسوف الشمس كان من قبل الفيلسوف الإغريقي "طاليس" الذي تنبأ بحدوث كسوف /25/ أيار/585 ق.م/، وحصل هذا مع غروب الشمس في منطقة البحر المتوسط، ووضع حداً لمعركة بين الميديين والليديين، أما أول كسوف شمسي مسجل فكان في/22/ أكتوبر/2136 ق.م / وشوهد في الصين خلال حكم الإمبراطور (شونغ كانغ)، والكسوف التالي المسجل حصل سنة /1375 ق.م / وهو مذكور على لوحة من الطين عثر عليها في منطقة أوغاريت في سورية.

ومن طرائف حوادث الكسوف أن لويس إمبراطور بافاريا مات خوفاً من الكسوف عام  /840/ للميلاد.

ومنها أيضاً أن العالم الفلكي (جولز جانسن) نجح في الابتعاد عن منطقة مطوقة عسكرياً لدراسة الكسوف الكلي مخاطراً بحياته وكان ذلك في /22/ كانون أول عام /1870/ حيث طار بعيداً عن باريس التي كانت مطوقة من قبل الجيوش الألمانية، لكن الغيوم في النهاية منعته من مراقبة الكسوف في منطقة أوران في فرنسا.

وأول ذكر للهالة الضوئية الشمسية يعود إلى بلوتارك الذي عاش بين /46 م -120م/.

وأول محاولة لتصوير الكسوف الكلي للشمس قام بها عالم الفضاء النمساوي (ماجوكي) في /8/ تموز/ 1842/، وأول صورة ناجحة للكسوف الكلي كانت في /28/ تموز /1851/ من قبل العالم (بيركاوسكي).

في شباط عام /1980/ تأجلت مباراة بسبب الكسوف بين بريطانيا والهند بكرة (الكريكت) حتى صباح اليوم التالي.

أما أول محاولة لإظهار كسوف كلي على شاشة التلفزيون فقد قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية في /15/ شباط /1961/ وكانت ناجحة.

الكسوف الصناعي

من أجل دراسة الكسوف وما يتيحه من فرصة جيدة لمراقبة الهالة والإكليل الشمسيين، وجد العلماء أن من الصعوبة انتظار حدوث الكسوف والذهاب إلى المناطق المختلفة لمراقبته، لذلك فكروا بإحداث الكسوف الصناعي عن طريق الأقمار الصناعية،  لكن من المعروف أن هذه الأقمار لا تستطيع حجب الشمس بجسمها الصغير، غير أننا نعرف أنه كلما اقتربنا من الجسم الذي ننظر إليه أصبحت مقاييسه أكبر، إذاً يمكن حل هذه المسألة بتقريب المشاهد من القمر الصناعي، وهذا ما تتمكن من القيام به السفينة الفضائية، وقد ظهرت هذه الفكرة أول مرة في الرحلة الفضائية المشتركة (الروسية - الأمريكية) التي جرت بتاريخ /15/ تموز/1975/حيث حلقت السفينتان الفضائيتان سويوز وأبولو، ففي اليوم الرابع من تلك الرحلة قامت سويوز بدور الأرض وأبولو بدور القمر، وقبل بداية التجربة تم توجيه السفينتين الملتحمتين مع بعضهما على امتداد المستقيم الواصل بينهما وبين الشمس بحيث كانت (أبولو) تقع أقرب إلى الشمس من (سويوز)، ثم افترقت السفينتان وشرعتا في التباعد وكانت السفينة الأمريكية تحجب الشمس بجسمها عن أنظار راكبي (سويوز)، وكانت وحدة الالتحام لسفينة (سويوز) مزودة بنافذة مدورة، وفي هذه النافذة الموجهة نحو (أبولو) أثناء التجربة رُكِّبَتْ آلة تصوير بحيث كانت عدستها التي تتحكم فيها آلية مبرمجة تنظر من الكوة لتلتقط صوراً لهالة الشمس بشكل أوتوماتيكي وبسرعات تصوير مختلفة، وعندما تجاوز البعد بين السفينتين (200 م) وأصبحت مقاييس القمر - أي سفينة أبولو - أكبر من مقاييس القرص الشمسي بمرتين، بدأت السفينتان تتقاربان من جديد لإعادة الالتحام، وهكذا استمر الكسوف الشمسي الصناعي الذي أحدثه الإنسان لأول مرة حوالي خمس دقائق، وهكذا يصبح لدينا نوع رابع من أنواع الكسوف.

آلية حدوث الكسوف

تدور الأرض حول الشمس بعكس اتجاه عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق، وتتم دورتها في (365) يوم وربع اليوم، ويشكل مستوي دوران الأرض حول الشمس مع مستويات دوران بقية الكواكب ما يعرف بفلك البروج، وبمعنى آخر فإن فلك البروج هو المسار الظاهري لقرص الشمس خلال سنة أرضية كاملة؛ حيث يتغير ميل الشمس خلال سنة واحدة بين (+30َ,23ْ) و(-30َ,23ْ)،

ويدور القمر حول الأرض بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق في مدة ظاهرية تبلغ (29) يوم و(12) ساعة و(44) دقيقة و(2.9) ثانية، وتدعى هذه الدورة بالدورة الاقترانية (و هي الفترة الواقعة بين حالتي اقتران للقمر مع الشمس كما هو مشاهد من الأرض).

بينما تبلغ مدة دوران القمر الحقيقية حول الأرض (27) يوم وثلث اليوم تقريباً (السنة بالنسبة للمراقب على سطح القمر)، وهي تساوي بالضبط مدة دورانه حول محوره (اليوم بالنسبة للمراقب على سطح القمر)، لذلك لا نشاهد سوى وجه واحد للقمر، وأدنى بعد للقمر عن الأرض  يبلغ (348294 كم) (نقطة الحضيض في المدار)، وأقصى بعد للقمر عن الأرض في دورته يساوي (398581 كم) (نقطة الأوج في المدار).

وهكذا تكون مساحة قرص القمر الظاهرية في الأوج أصغر من مساحة قرص القمر الظاهرية في الحضيض، ولهذا دور في تحديد نوع الكسوف، فوجود القمر في الأوج يجعل الكسوف حلقياً (المساحة الظاهرية لقرصه صغيرة لأنه بعيد)، ووجوده في الحضيض يجعل الكسوف كلياً (المساحة الظاهرية لقرصه كبيرة لأنه قريب).

لكن لا بد أيضاً من توفر شروط أخرى لحدوث الكسوف، من المعروف أن مستوي مدار القمر يميل على فلك البروج بزاوية مقدارها خمس درجات وتسع دقائق، بسبب هذا الميل يقطع القمر فلك البروج في نقطتين ندعوهما  عقدتين، ويحدث الكسوف والخسوف بجوار هاتين العقدتين شرط وقوع الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة.

تعود أهمية هذا الحدث لندرة وقوعه في منطقة واحدة، فالكسوف الكلي لا يتكرر في منطقة بذاتها إلا في مدى (400) سنة.

إن أكبر عدد ممكن لمجموع حالات الكسوف والخسوف في السنة الواحدة هو سبع حالات، ففي سنة /1935/ حدثت خمس حالات كسوف شمسي وحالتا خسوف قمري، وفي سنة /1982/ حدثت أربع حالات كسوف شمسي وثلاث حالات خسوف قمري.

بينما يبلغ أقل عدد ممكن لهذه الحالات اثنتان في السنة الواحدة، وكلاهما يجب أن تكونا حالتي كسوف شمسي كما حدث في عام /1984/.

إن كسوف يوم الأربعاء /11/آب/1999/ شُوهِدَ في كل أنحاء الوطن العربي بنسب متفاوتة، والمنطقة الوحيدة التي كان فيها الكسوف كلياً هي المنطقة الشمالية الشرقية من سورية وشمالي العراق، بدأ الكسوف من المنطقة الغربية من سورية وانتقل نحو الشرق تدريجياً، بلغ عرض حزمة الكسوف الكلي 110 كم، وقع منها داخل الأرض السورية 35 كم حيث شملت مناطق: عين ديوار والمالكية وأم التلول والشامية وفش خابور والجابرية والصهريج، وكانت المساحة الظاهرية لقرص القمر تعادل109% من المساحة الظاهرية لقرص الشمس، والسبب في ذلك أن القمر كان يقع بجوار الحضيض في ذلك التاريخ حيث كانت مساحة قرصه الظاهرية أكبر ما يمكن، بينما كانت الأرض أبعد ما يمكن عن الشمس أو قريبة من نقطة الأوج في مدارها والتي تمر بها الأرض في 3 تموز من كل عام حيث كانت المساحة الظاهرية لقرص الشمس أصغر ما يمكن.

استمر حجب الشمس التام مدة دقيقتين حل فيهما الظلام وظهرت النجوم اللامعة ومجموعة نجوم أبراج الشتاء مثل الجوزاء ونجم الرجل والشعرى اليمانية، بالإضافة لظهور خمسة من كواكب المجموعة الشمسية حيث كان كوكب عطارد إلى الغرب من الشمس والزهرة إلى الشرق منها، بالإضافة لظهور المريخ والمشتري وزحل، واستمر الكسوف في منطقة عين ديوار من الساعة الواحدة وعشرين دقيقة بعد الظهر حتى الساعة الرابعة عصراً، بينما وقعت ذروة الكسوف الكلي بين الساعة (14.44-14.46)، مع العلم أن أطول كسوف كلي في القرن العشرين حدث عام /1973 / حيث استمر مدة سبع دقائق.

وفرصتنا في الكسوف رائعة لرؤية الانفجارات الشمسية السطحية والهالة والإكليل الشمسيين.

الوقاية من أذى الكسوف الشمسي

خلق الله تعالى عيوننا وجعلها نوافذنا على العالم الخارجي، وجعل هذه العيون مهيَّأةً لتلقي الضوء بالانتثار، فلا تتلقاه من المنبع مباشرةً.

إن النظر إلى الشمس في أي وقت لبضع ثوانٍ قد يسبب حروقاً غير قابلة للشفاء في شبكية العين وقد يسبب العمى، لكن ضوء الشمس المبهر في الأحوال العادية يمنعنا من النظر إليها، والخطورة تكمن في فترة الكسوف حيث يُحجَبُ ضوءُ الشمس المبهر فنتمكن من النظر إلى الشمس بغير عوائق أو شعور بضرر ذلك لأن الشبكية في العين لا تحوي أي مستقبل لحس الألم، ولا تظهر الأضرار إلا بعد عدة ساعات، والضرر ينجم عن إشعاعات الشمس تحت الحمراء وفوق البنفسجية وأشعة (X)، وقد يؤدي التعرض لهذه الإشعاعات إلى العمى، لذا يجب الانتباه للأطفال ومنعهم من النظر إلى الشمس في فترة الكسوف.

يحدث العمى حين تصاب اللطخة الصفراء في قعر الشبكية بالأذى، فعندما تكون الشمس في قمة السماء تنطبع صورتها على الشبكية بقطر 160 ميكروناً، أي أنقص بـ20% من مساحة اللطخة الصفراء التي يبلغ قطرها 350 ميكروناً، ومن المعروف أن بؤبؤ العين إذا كان صغيراً فإنَّ النظر للشمس يحدث ارتفاعاً في درجة حرارة الشبكية يبلغ 4 درجات مئوية، وهو ارتفاعٌ غير كافٍ لإحداث التخثير الضوئي لمكونات الشبكية والذي يلزمه ما بين 10 إلى20 درجة مئوية، فأذية الشبكية في الكسوف هي أذية تسمم كيميائي ضوئي مع العلم أن غاليليو غاليلي فقد بصره نتيجة ذلك.

يزداد ارتفاع درجة حرارة الشبكية حين ننظر من خلال العدسات الصنعية، أما الجسم البلوري للعين فهو يحوي حاملات صبغية مقاومة للأشعة فوق البنفسجية، وتتدرج الإصابة من أذية اللطخة الصفراء المبيضة التي تشفى بعد شهور، إلى تشوش فيها، ثم إلى تنقط صباغي فإلى انثقاب الشبكية في منطقة اللطخة الصفراء، والأطفال أكثر عرضة للإصابة بالتسمم الشبكي الضوئي، لأن الجسم البلوري في عين الطفل يسمح بنفوذ بعض الأشعة فوق البنفسجية بكمية أكبر مما يسمح لدى الشخص البالغ، أما المراقب الذي يريد مراقبة الحدث فيمكنه استخدام واقيات للعين أثناء المراقبة، ومن أنواع هذه الواقيات الزجاج الواقي المستخدم في عمليات اللحام بالقوس الكهربائي، ويمكن أيضاً النظر عبر عدة طبقات من مسودات الأفلام التصويرية شريطة ألا تكون قد استخدمت في التصوير حيث تخرج من محفظتها وتحرق في الضوء ثم تحمض ونقوم بطيها عدة طبقات ونوجهها نحو المصباح الكهربائي العادي المُضاء، فإذا ظهر سلك التنغستين الذي في وسطه فقط فإن هذه الطبقات كافية، أما إذا ظهرت الحبابة فيجب زيادة عدد الطبقات، كما يمكن استخدام الزجاج الذي تعرض لهباب الفحم فاسود كثيراً إلا أنه يمرر الأشعة تحت الحمراء، ويمكن استخدام طبقة من مادة الميلار، وهي خليط من الكروم والألمنيوم التي لا تنفذ سوى ثلاثة بالألف من أشعة الشمس، وتعتبر هذه الطريقة من أسلم الطرق، ومن الأفضل إسقاط منظر الكسوف على لوحة كرتونية عبر مقراب فلكي لمراقبة خيال الشمس، كما يمكن مراقبة حواف القمر أثناء الكسوف حيث تبدو انطباعات المرتفعات والوديان القمرية التي تمر عبرها أشعة الشمس. يتساءل البعض عن تعرض الجسم لأشعة الشمس في وقت الكسوف هل يضر؟

والجواب: أنه لا يضر فهو الضوء ذاته الذي نتعرض له من الشمس في الحالة العادية، وهذا ينطبق على الحيوانات والنباتات، والتأثر الوحيد الذي تتعرض له الحيوانات هو اضطراب الساعة البيولوجية لديها؛ حيث تظن الحيوانات أن الليل قد أتى فتنام، خاصةً الدواجن، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية قامت بتصنيع 8000000 نظارة خاصة بالكسوف، وقامت بتوزيعها مجاناً على أفراد الشعب للتمتع بمنظر الكسوف الذي حدث عام 1999، إن رؤية حالة الكسوف الكلي هو فرصة قد لا تتكرر في حياتنا مرة أخرى، فتبارك الله أحسن الخالقين.

دروس و عبر من قصة موسى و الخضر (عليهما السلام)

دروس و عبر من قصة موسى و الخضر (عليهما السلام)


د. عبد الله بن حمَّاد القرشي
 موقع حب الإســلام
www.islam-love.com
 
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
     الحمد لله القائل { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } ([1]) والقائل جل في علاه {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } ([2]) أحمد سبحانه أن جعل في أخباره عبرة واتعاظا ، وحكما وأسرارا ، يتعظ بها أولو الألباب . والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله   وصحبه أجمعين    وبعد :
     فإن من أعجب قصص القرآن قصة موسى والخضر عليهما السلام ، تلك القصة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى أحداثها ، ويتمنى أن لو طالت فصولها ، بل عتب على موسى عليه السلام ؛ إذ كان سببا في قطع وقائعها    فقال عليه الصلاة والسلام :{ ‏يرحم الله ‏ ‏موسى ‏ ‏لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما }([3])
     وهذه القصة الجليلة المليئة بالعبر والعظات بنى عليها أهل البدع والتصوف أصولا لمعتقداتهم الباطلة ، وليس لهم فيما ذهبوا إليه من حجة ولا برهان ، بل هي أوهام أملاها عليهم الهوى ، فأوقعهم في مهاوي الردى .
     ولأجل ما سبق فقد رغبت في الوقوف على أسرار تلك القصة العجيبة مستجليا معانيها ، مقتنصا عبرها وفوائدها .
وقد رسمت لبحثي خطة صدرتها بهذه المقدمة التي شملت أهمية الموضوع ، وأسباب اختياره ، ومجمل خطة البحث ، وعملي فيه .
ثم أعقبتها بفصلين : جعلت الأول منهما : في مقدمات بين يدي القصة ، وضمنته مبحثان :
المبحث الأول : في التعريف بالخضر ، وسبب تسميته بذلك ،  وهل هو نبي ، أو ولي ؟
المبحث الثاني : هل الخضر حي أو ميت ؟
الفصل الثاني : في شرح الآيات واستنباط العبر والدروس .

الفصل الأول
مقدمات بين يدي القصة
المبحث الأول
في التعريف بالخضر وسبب التسمية بذلك
اختلف اختلافا كثيرا في اسم ونسب الخضر عليه السلام –والله أعلم بحقيقة نسبه- لكن سأذكر بعضا من تلك الأقوال :
أما اسمه فقيل:
-   اسمه عامر ، وقيل: بليان بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.وقيل: إن اسمه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد ، وغير ذلك من الأقوال . ([4])
    وأما نسبه فمختلف فيه كذلك :
-   قيل: هو ابن آدم لصلبه ، وقيل: إنه ابن قابيل بن آدم ، وقيل: إنه من سبط هارون أخي موسى ، وقيل: إنه من ولد بعض من كان آمن بإبراهيم وهاجر معه من أرض بابل ، وغير ذلك من الأقوال .([5]) 
وأما سبب تسميته بالخضر ([6]) فقد تعددت الأقوال في ذلك ([7]). والصواب من تلك الأقوال ما ثبت  في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة ([8]) بيضاء، فإذا هي تهتز  من خلفه خضراء }. ([9])

هل الخضر نبي أو ولي ؟

اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافا كثيرا ([10]) ، ويقصر المقام هنا في بسط هذه المسألة ، ولكن نذكر الراجح من القولين والإشارة إلى بعض الأدلة في ذلك .
رجح المحققون من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام نبي من أنبياء الله عز وجل ،   وممن رجح هذا القول من العلماء : الطبري ، وابن كثير ، وابن حجر ، وابن الجوزي وغيرهم من العلماء .
وقد استدلوا على ذلك بأدلة منها :
1-      ومن أظهر الأدلة في أن الرحمة والعلم اللدني اللذين امتن الله بهما على عبده الخضر عن طريق النبوة والوحي قوله تعالى عنه: {وما فعلته عن أمري} أي: وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا، وأمر الله إنما يتحقق عن طريق الوحي؛ إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه إلا الوحي من الله جل وعلا.ولا سيما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، وتعييب سفن الناس بخرقها.    لأن العدوان على أنفس الناس وأموالهم لا يصح   إلا عن طريق الوحي من الله تعالى . ([11])
2-      أن الخضر أقدم على قتل الغلام ، وما ذلك إلا للوحي إليه من الملك العلام .وهذا دليل مستقل على نبوته ، وبرهان ظاهر على عصمته ،  لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده ،    لأن خاطره ليس بواجب العصمة ، إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق . ([12])

المبحث الثاني
هل الخضر حي الآن أو ميت ؟
اختلف في هذه المسألة أيضا بين قائل بموته وقائل بحياته ، والصواب الأول ومن ذهب إلى ذلك : البخاري ، والطبري ، وابن كثير ، وابن تيمية ، وابن حجر ،  وابن الجوزي وغيرهم .
والأدلة على موته كثيرة جدا نشير إلى بعضها اختصارا ومنها :
1-      ظاهر عموم قوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخـٰلدون} ([13]) ، فقوله «لبشر» نكرة في سياق النفي فهي تعم كل بشر  فيلزم من ذلك نفي الخلد عن كل بشر من قبله. والخضر بشر من قبله.فلو كان شرب من عين الحياة وصار حيا خالدا إلى يوم القيامة لكان الله قد جعل لذلك البشر الذي هو الخضر من قبله الخلد. ([14])

2-      قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما من نفس منفوسة اليوم تأتي مائة سنة وهي حية يومئذ» ([15]) فقوله «نفس منفوسة» ونحوها من الألفاظ في روايات الحديث نكرة في سياق النفي فهي تعم كل نفس مخلوقة على الأرض. ولا شك أن ذلك العموم بمقتضى اللفظ يشمل الخضر، لأنه نفس منفوسة على الأرض . ([16])
3-       أن الخضر لو كان حيا إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان من أتباعه، ولنصره وقاتل معه، لأنه مبعوث إلى جميع الثقلين الإنس والجن ويوضح هذا أنه تعالى بين في سورة «آل عمران»: أنه أخذ على جميع النبيين الميثاق المؤكد أنهم إن جاءهم نبينا صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معهم أن يؤمنوا به وينصرونه، وذلك في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }. ([17])
فالخضر إن كان نبيا أو وليا فقد دخل في هذا الميثاق. فلو كـان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه. لأنه إن كان وليا فالصديق أفضل منه. وإن كان نبيا فموسى أفضل منه. ([18])
قال الشنقيطي مجملا ضعف أدلة القائلين بحياة الخضر عليه السلام :
((فتحصل أن الأحاديث المرفوعة التي تدل على وجود الخضر حيا باقيا لم يثبت منها شيء. وأنه قد دلت الأدلة المذكورة على وفاته، كما قدمنا إيضاحه. وممن بين ضعف الأحاديث الدالة على حياة الخضر، وبقائه ـ ابن كثير في تاريخه وتفسيره. وبين كثيرا من أوجه ضعفها ابن حجر في الإصابة. وقال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن ساق الأحاديث والحكايات الواردة في حياة الخضر: وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم. وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا، لا تقوم بمثلها حجة في الدين. والحكايات لا يخلو أكثرها من ضعف في الإسناد. وقصاراها أنها صحيحة إلي من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره. لأنه يجوز عليه الخطأ ( والله أعلم)، إلى أن قال رحمه الله: وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه (عجلة المنتظر في شرح حالة الخضر) للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات ـ فبين أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم. فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد ـ ا هـ منه. ([19])
الفصل الثاني
عرض الآيات وتفسيرها واستنباط فوائدها
قال تعالى : {وإذ قال موسىٰ لفتاه لا أبرح حتىٰ أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} (60)
معنى الآية إجمالا :
‏لقصة موسى مع الخضر سبب وهو ما ثبت في الصحيحين  عن ‏أبي بن كعب ‏ قال : سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏قام موسى ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏خطيبا في ‏ ‏بني إسرائيل ‏ ‏فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال: أنا أعلم . قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك ...الحديث }([20])
عندئذ تطلعت همة موسى عليه السلام للقيا ذلك النبي الصالح مهما كلفه الأمر من صعاب ، فاستعان بفتاه يوشع بن نون قائلا له :لا أزال أمضي حتى يجتمع البحران فيصيرا بحرا واحدا ، بسير قريب ، أو أسير أزمنا طويلة فإني بالغ مجمع البحرين لا محالة حتى أجد ذلك العالم الصالح .
وفي هذه الآية فوائد منها :
1-      قال القرطبي : في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم ، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم، وذلك في دأب السلف الصالح ، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح، فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام . ([21])
2-      أن المسافر لطلب علم أو جهاد إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه ، وأين يريد ، فإنه أكمل من كتمه . فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له ، واتخاذ عدته ، وإتيان الأمر على بصيرة ، , وإظهار الشوق  لهذه العبادة الجليلة .  ([22])
3-      الاستعانة على الرحلة في طلب العلم بالصاحب والخادم , فقد اتخذ موسى فتاه يوشع تلميذا وخادما ، والفتى الشاب في كلام العرب .
4-      التعبير بـ{ فتاه} وإضافته إليه - على معنى الاختصاص كما يقال: غلامه- فيه فائدة وهي : شدة ملازمة يوشع لموسى عليهما السلام حتى وصف بالفتى ، ومنه وصفهم الإمام محمد بن عبد الواحد المطرز النحوي اللغوي بـ: غلام ثعلب ؛ لشدة اتصاله بالإمام : أحمد بن يحيى الشيباني الملقب بثعلب ))  ([23])
5-      والتعبير -أيضا- بـ: {فتى} فيه تأديب للسان ، وعدم جرح المشاعر .      قال القرطبي : ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتيانا قيل للخادم فتى على    جهة حسن الأدب، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي» ([24])          فهذا ندب إلى التواضع . ([25])
6-      ومن الفوائد : أنه لا بأس على العالم والفاضل أن يخدمه المفضول في الحضر والسفر ؛ لكفاية المؤن ، وطلب الراحة ، ودليله من القصة  حمل فتاه غداءهما ، . ([26])
7-       في قوله { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا } فيه توطين للنفس على تحمل التعب الشديد والعناء العظيم في السفر لأجل طلب العلم ، وذلك تنبيه على أن المتعلم لو سافر من المشرق إلى المغرب لطلب مسألة واحدة لحق له ذلك .  ([27])
      وفيه كذلك بيان علو همـة موسى عليه السلام وشدة رغبة في الاستزادة مـن
      العلم .
8-       وفي قوله -أيضا- { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا } توحيد الهمة وتفريغ النفس من المشاغل لطلب العلم . مأخوذ ذلك من تصميمه أن لا يزول عما هو فيه (( أي: لا يشتغل بشيء آخر حتى يبلغ مجمع البحرين )) ([28])
9-       وكأن في سبب تصميم موسى على بلوغ حاجته مهما كلف الأمر إشارة    إلى أن فتاه استعظم هذه الرحلة ، وخشى أن تنالهما فيها مشقة تعوقهما عن إتمامها . ولذلك كأنه أراد بإعلان تصميمه أن ييأس فتاه من محاولة رجوعهما ، وأن يشحذ عزيمته فتاه ليساويه في صحة العزم حتى يكونا على عزم متحد . فمن أراد الصاحب في السفر لطلب العلم فليختر أولي العزائم العوالي ، وليحذر من صحبة البطالين المثبطين . أشار إلى هذه الفائدة ابن عاشور رحمه الله تعالى . ([29])
{فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا}(61)
 معنى الآية إجمالا :
عندما أوحى الله لموسى { إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمَّ ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل. ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا  [السرب النفق الذي يكون في الأرض للضب ونحوه من الحيوانات ذلك أن الله سبحانه] أمسك عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق  [فشبه مسلك الحوت في البحر مع بقائه وانجياب الماء عنه بالسرب الذي هو الكوة المحفورة في الأرض] فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما...الحديث } ([30])
وفي هذه الآية فوائد منها :
10-    نسبة النسيان إليهما نسبة حقيقية وإن كان يوشع هو الموكل بحفظ الحوت ومراقبته إلا أن موسى عليه السلام هو القاصد بهذا العمل فكان يهمه تعهده ومراقبته . وهذا يدل على أن صاحب العمل أو الحاجة إذا وكَلَه إلى غيره    لا ينبغي له ترك تعهده .  ([31])
{فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا هـٰذا نصبا}(62)
معنى الآية إجمالا :
فلما جاوزا مجمع البحرين الذي جعل موعدا للملاقاة {قال لفتاه آتنا غداءنا} وهو ما يؤكل بالغداة، وأراد موسى أن يأتيه بالحوت الذي حملاه معهما .  لقد لقينا من سفرنا هٰذا تعبا وإعياء . قال المفسرون: الإشارة بقوله سفرنا هذا إلى السفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور كما نص على ذلك الحديث المتفق عليه  فإنهما لم يجدا النصب حتى جاوزا المكان الذي أمره الله به .
وفي الآية فوائد منها:
11-    اتخاذ الزاد في الأسفار، وهو رد على الصوفية الجهلة الأغمار، الذين يقتحمون المهامة والقفار، زعما منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار؛    هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه، وتوكله على رب العباد . وفي الحديث: إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا سألوا الناس، فأنزل الله تعالى {وتزودوا} ([32]) (البقرة: 197). ([33])
12-    في قوله تعالى { لقد لقينا في سفرنا هذا نصبا } فيه دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض، وأن ذلك لا يقدح في الرضا،  ولا في التسليم للقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط . ([34])
13- استحباب إطعام الإنسان لخادمه من مأكله ، وأكلهما جميعا ، لأن ظاهر قوله { آتنا غداءنا} إضافة إلى الجميع . ([35])
14-    أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به ، وأن الموافق لأمر الله يعان فلا يسرع إليه النصب والجوع . ذلك أن موسى لم يجد النصب إلا بعد مجاوزته مجمع البحرين , وأما سفره الأول فلم يشتك منه مع طوله ، لأنه سفر على الحقيقة ، وكما في قصة موسى -أيضا- في توجهه إلى ميقات ربه أربعين يوما ، وذلك في طاعة ربه فلم ينقل عنه أنه تعب ولا طلب غداء  ولا رافق أحدا  .وهكذا سفر القلب وسيره إلى ربه لا يجد فيه من الشقاء والنصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين .  أشار إلى ذلك ابن حجر ([36]) ،  وابن القيم ([37]) والسعدي .([38])

{قال أرأيت إذ أوينآ إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ومآ أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} (63)
معنى الآية إجمالا :
 قال فتى موسى -متعجبا لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك الأمر مما لا ينسى ، لأنه قد شاهد أمرا عجبا وموضع التعجب: أن يحيا حوت قد مات وأكل شقه ، ثم جعل الـحوت لا يـمس شيئا من البحر إلا يبس حتـى يكون صخرة  :أرأيت ما دهاني، أو نابني في ذلك الوقت والمكان الذي أوينا إليه وهو الصخرة التي كانت عند مجمع البحرين ، إذ لم أذكرك بأمر الحوت ، وما أنساني ذكره لك  إلا الشيطان .
وفي الآية من الفوائد :
15- البراعة في أسلوب الاعتذار وذلك من وجوه :
أ‌-   لما تقدم طلب موسى للغداء بعد أن مسه التعب والجوع لم يشأء فتاه أن يفجأه بالجواب مباشرة بل مهد لذلك بممهدات منها :
ب-البدء باستخدام أسلوب الاستفهام التعجبي (أرأيت ) " وهذا الأسلوب جار على ما هو المتعارف بين الناس أنه إذا حدث لأحدهم أمر عجيب قال لصاحبه أرأيت ما حدث لي؟ كذلك ههنا كأنه قال: أرأيت ما وقع لي منه إذ أوينا إلى الصخرة ، فحذف مفعول أرأيت لأن قوله: {فإني نسيت الحوت} يدل عليه " .  ([39])
 ومراده بالاستفهام: تعجيب موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى ،  يريد بذلك: تهويله
وتعجيب صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعه لا استخباره .
ج-ومن التمهيد قوله{إذ أوينا إلى الصخرة }ففيه أدب التمهيد لتقديم العذر ، فإن الإيواء إليها والنوم عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة .  ([40])
د- ومن حسن الاعتذار بيانه أن النسيان الذي وقع لي ليس بتقصير مني  أو إهمال ، بل هو بسبب الشيطان ووسوسته .
16-    أن من مداخل الشيطان إعاقة الإنسان عن طلب العلم ، "فالشيطان كان يسوءه التقاء هذين العبدين الصالحين ، وما له من أثر في بث العلوم الصالحة ، فهو يصرف عنها ولو بتأخير وقوعها طمعا في حدوث العوائق "  ([41])
17-    في قوله :{وما أنسانيه إلا الشيطان} فيه جواز إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان ، على وجه التسويل والتزيين ، وإن كان الكل  بقضاء الله وقدره ([42])
18-    في إيقاع النسيان على اسم الحوت دون ضمير الغداء مع أنه المأمور بإيتائه قيل: للتصريح بما في فقده إدخال السرور على موسى عليه السلام  مع حصول الجواب . ([43])
{قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا علىٰ آثارهما قصصا * فوجدا عبدا من عبادنآ آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} (63، 64)
 معنى الآية إجمالا :
أي قال موسى لفتاه أمر الحوت وفقده هو الذي كنا نطلب ، فإن الرجل الذي جئنا له ثم؛ فرجعا يقصان آثارهما لئلا يخطئا طريقهما { فوجدا عند الصخرة خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك من سلام؟! من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم ...الحديث } ([44])
وهذا العبد المذكور في هذه الآية الكريمة هو الخضر عليه السلام بإجماع العلماء ، ودلالة النصوص الصحيحة على ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم . وقد آتيناه النبوة ، وعلمناه مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب ، وموافقة الحق عند الله ولو كانت مخالفة لظاهر الشرع .
  وفي الآية من الفوائد:
19-    العلم اللدني هو علم الوحي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا دليل " أنه لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه، وما يتقرب إليه به من فعل وترك إلا عن طريق الوحي. فمن ادعى أنه غني في الوصول إلى ما يرضي ربه عن الرسل، وما جاؤوا به ولو في مسألة واحدة فلا شك في زندقته. والآيات والأحاديث الدالة على هذا لا تحصى، قال تعالى: {وما كنا معذبين حتىٰ نبعث رسولا} ([45]) ولم يقل حتى نلقي  في القلوب إلهاما ... وبذلك تعلم أن ما يدعيه كثير من الجهلة المدعين التصوف من أن لهم ولأشياخهم طريقا باطنة توافق الحق عند الله ولو كانت مخالفة لظاهر الشرع، كمخالفة ما فعله الخضر لظاهر العلم الذي عند موسى زندقة، وذريعة إلى الانحلال بالكلية من دين الإسلام، بدعوى أن الحق في أمور باطنة تخالف ظاهره " قاله الشنقيطي ([46])

  قال ابن حجر : ((ومن استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز أن يطلع من  خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة ويجوز له فعله فقد ضل , وليس ما تمسك به صحيحا , فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع , فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا ; ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر . وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه : فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها ... وأما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة . وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان)) . ([47])  ‏

{قال له موسىٰ هل أتبعك علىٰ أن تعلمن مما علمت رشدا * قال إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر علىٰ ما لم تحط به خبرا } (65)
معنى الآية إجمالا :
قال موسى للعالـم: هل أتبعك علـى أن تعلـمن من العلـم الذي علـمك الله ما هو رشاد إلـى الـحق، ودلـيـل علـى هدى؟ قال العالـم: إنك لن تطيق الصبر معي، وذلك أنـي أعمل ببـاطن علـم علـمنـيه الله، ولا علـم لك إلا بالظاهر من الأمور، فلا تصبر علـى ما ترى من الأفعال . وكيف تصبر يا موسى علـى ما ترى منـي من الأفعال التـي لا علـم لك بوجوه صوابها، وتقـيـم معي علـيها، وأنت إنـما تـحكم علـى صواب الـمصيب وخطأ المخطئ بـالظاهر الذي عندك، وبـمبلغ علـمك، وأفعالـي تقع بغير دلـيـل ظاهر لرأي عينك علـى صوابها، لأنها تبتدأ لأسبـاب تـحدث آجلة غير عاجلة، لا علـم لك بـالـحادث عنها، لأنها غيب، ولا تـحيط بعلـم الغيب خبرا .
وفي الآيات من الفوائد :
20-  أنه: لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته ، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه  . ([48])
       " وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى، فقد يأخذ الفاضل
        عن الفاضل وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه
        الآخر، فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها، وكان
        علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن"  ([49])
21-    أن موسى سأل العالم سؤال الملاطف، والمخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب، بقوله : هل أتبعك ؟ أي : هل يتفق لك ويخف عليك؟ وهذا أدب من آداب طالب العلم مع شيخه ومعلمه أن يلاطفه في الكلام . أشار إلى ذلك القرطبي ([50])

22-    أن موسى جعل نفسه تبعا للخضر له لأنه قال: {هل أتبعك}. فالمتعلم  تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب . أشار إلى ذلك الرازي ([51]) والقرطبي ([52]) ، وصديق حسن خان ([53])
23-  أنه استأذن في إثبات هذا التبعية فإنه قال: هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعا لك وهذا مبالغة عظيمة في التواضع .  ([54])
24-    أن قوله : {هل اتبعك} يدل على أنه يأتي بمثل أفعال ذلك الأستاذ لمجرد كون ذلك الأستاذ آتيا بها. وهذا يدل على أن المتعلم يجب عليه في أول الأمر التسليم وترك المنازعة والاعتراض.  ([55])
25-          أن قوله: {أتبعك} يدل على طلب متابعته مطلقا في جميع الأمور غير مقيد بشيء دون شيء.  ([56])
26-    أنه قال: {هل أتبعك على أن تعلمني} فأثبت كونه تبعا له أولا ثم طلب ثانيا أن يعلمه وهذا منه ابتداء بالخدمة ثم في المرتبة الثانية طلب منه التعليم.  ([57])
27-    أنه قال: {هل أتبعك على أن تعلمني} فلم يطلب على تلك المتابعة على التعليم شيئا كان قال لا أطلب منك على هذه المتابعة المال والجاه  ولا غرض لي إلا طلب العلم .  ([58])
28- ويؤخذ من الآية جواز التعاقد على تعليم العلم ، وأنه التزام  يجب الوفاء به ([59])
29- وفيه المسافرة مع العالم لاقتباس فوائده أخذا من قوله  {هل أتبعك } قاله أبوحيان . ([60])
30- أنه قال على أن: {تعلمني} وهذا إقرار له على نفسه بنقص العلم وعلى أستاذه بالعلم. قاله الرازي ([61]) . "وهذا بخلاف ما عليه أهل الجفاء والكبر الذين لا يظهرون للمعلم افتقارهم إلى علمه بل يدعون  أنه يتعاونون هم وإياه ، بل ربما ظن أحدهم أنه يعلم معلمه ، وهو جاهل جدا ، فالذل للمعلم ، وإظهار الحاجة إلى تعليمه من أنفع شيء للمتعلم"  ([62])  
31-    أن قوله: {تعلمني مما علمت} معناه أنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله به وفيه إشعار بأنه يكون إنعامك علي عند هذا التعليم شبيها بإنعام الله تعالى عليك في هذا التعليم ولهذا المعنى قيل أنا عبد  من تعلمت منه حرفا. ([63])
32-    أنه قال: {مما علمت} وصيغة من للتبعيض فطلب منه تعليم بعض ما علمه الله، وهذا أيضا مشعر بالتواضع كأنه يقول له لا أطلب منك أن تجعلني مساويا في العلم لك، بل أطلب منك أن تعطيني جزأ من أجزاء علمك، كما يطلب الفقير من الغني أن يدفع إليه جزأ من أجزاء ماله. ([64])
33-  أن قوله: {مما علمت} اعتراف بأن الله علمه ذلك العلم . فالعلم نعمة منه سبحانه يجب شكرها  . ([65])
34-    أن قوله: {رشدا} أي: علما مرشدا للخير ، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطريق الخير ، وتحذير عن طريق الشر ، أو وسيلة لذلك ، فإنه من العلم النافع
       ، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضارا ، أو ليس فيه فائدة . ([66])  
35-    أن موسى عليه السلام مع هذه المناصب الرفيعة والدرجات العالية الشريفة أتى بهذه الأنواع الكثيرة من التواضع وذلك يدل على كونه عليه السلام آتيا في طلب العلم  بأعظم أنواع المبالغة ، وهذا هو اللائق به لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر فكان طلبه لها أشد وكان تعظيمه لأرباب العلم أكمل وأشد .  ([67])
36- في قوله { إنك لن تستطيع معي صبرا} فيه دليل على أن الأنبياء لا يقرون على منكر، ولا يجوز لهم التقرير.  
37-    وفيها أيضا أصل من أصول التعليم : أنه ينبه المعلم المتعلم بعوارض موضوعات العلوم الملقنة لا سيما إذا كانت في معالجتها مشقة . قاله ابن عاشور . ([68])
38-    أن من ليس له قوة قي الصبر على صحبة العالم ، وحسن الثبات على ذلك ، فليس بأهل لتلقي العلم . فمن لا صبر له لا يدرك العلم ، لقول الخضر –معتذرا لموسى بذكر المانع من الأخذ عنه- إنك لن تستطيع معي صبرا . ([69])
39-    أن السبب الكبير لحصول الصبر إحاطة الإنسان علما وخبرة بذلك الأمر الذي أمر بالصبر عليه ، وإلا فالذي لا يدريه ، أو لا يدري غايته ولا نتيجته  ولا فائدته وثمرته ليس عند سبب الصبر ، لقوله { وكيف تصبر على   ما لم تحط به صبرا } فجعل الموجب لعدم صبره  عدم إحاطته خبرا بالأمر . ([70])
40-    أن المعلم إن رأى أن في التغليظ على المتعلم ما يفيده نفعا وإرشادا إلى الخير. فالواجب عليه ذكره فإن السكوت عنه يوقع المتعلم في الغرور والنخوة وذلك يمنعه من التعلم.  ([71])
{ قال ستجدني إن شآء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} (66)
معنى الآية إجمالا :
عندما قال الخضر : كيف تصبر يا موسى علـى ما ترى منـي من الأفعال التـي لا علـم لك بوجوه صوابها ؟ أجاب موسى : ستـجدنـي إن شاء الله صابرا علـى ما أرى منك وإن كان خلافـا لـما هو عندي صواب ، ولا أعصي لك أمرا أي : وأنتهي إلـى ما تأمرنـي، وإن لـم يكن موافقا هواي.
وفي الآية من الفوائد :
41- التواضع الشديد من موسى عليه السلام وإظهار للتحمل التام ، وكل ذلك يدل على أن الواجب على المتعلم إظهار التواضع بأقصى الغايات، وأما المعلم فإن رأى أن في التغليظ على المتعلم ما يفيده نفعا وإرشادا إلى الخير. فالواجب عليه ذكره فإن السكوت عنه يوقع المتعلم في الغرور والنخوة وذلك يمنعه من التعلم .  ([72])
42- في قوله { إن شاء الله } دليل على أن أفعال العباد  واقعة بمشيئة الله تعالى. قاله البيضاوي . ([73])
43-  تعليق الأمور المستقبلة التي من أفعال العباد بالمشيئة ، وأن لا يقول لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يقول {إن شاء الله } . ([74])

{قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتىٰ أحدث لك منه ذكرا * فانطلقا حتىٰ إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا * قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت  ولا ترهقني من أمري عسرا} (67-80)
معنى الآيات إجمالا :
قال الخضر لموسى - عليهما السلام - : فإن اتبعتنـي الآن ورأيت مني شيئا خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك فلا تفاتحني بالسؤال حتى أكون أنا الفاتح عليك بحاله في الوقت الذي ينبغي إخبارك به . - فإنـي قد أعلـمتك أنـي أعمل العمل علـى الغيب الذي لا تـحيط به علـما-  . { فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ...الحديث} ([75]) أي: لقد جئت شيئا عظيـما، وفعلت فعلا منكرا
عندئذ قال الخضر لموسى –عليهما السلام –معرضا باللوم بما التزم : أتقر أني قلت إنك لا تستطيع معي صبرا ؟ فاعتذر موسى عليه السلام لا تؤاخذني فإن ذلك وقع على وجه النسيان ، ولا تعسر علي في المعاملة واصفح عني .
وفي الآية من الفوائد :
44-    في قول موسى {أخرقتها لتغرق أهلها} كمال شفقة موسى عليه السلام ، ونصحه للخلق ، فلم يقل {لتغرقنا} فنسي نفسه ، في الحالة التي لا يلوي فيها أحد على أحد . ([76])
45-    أن النسيان لا يقتضي المؤاخذة لا في حق الله ، ولا في حق العباد ،  وأنه لا يدخل تحت التكليف . قاله القرطبي ([77]) والسعدي. ([78])
46-    أن عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة جائز ، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير ، كما خرق الخضر السفينة لتعيب ، فتسلم من غصب الملك . ([79])
47-    في قوله { لا تؤاخذني بما نسيت ...الآية} فيه براعة الاعتذار ، بيان ذلك : أن النهي مستعمل في التعطف والتماس عدم المؤاخذة ، لأنه قد يؤاخذه على النسيان مؤاخذة من لا يصلح للمصاحبة لما ينشأ عن النسيان من خطر ، ولذلك بنى كلام موسى على طلب عدم المؤاخذة بالنسيان ، ولم يبن على الاعتذار بالنسيان ، كأنه رأى نفسه محقوقا بالمؤاخذة . فكان كلاما بديع النسيج في الاعتذار .  ([80])
48-    وفيه الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه لإنكار موسى . وفيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه ولو كان مستقيما في باطن الأمر.    وما يدعيه بعض أهل البدع من جواز الاعتراض بالعقل على الشرع خطأ بيِّن; لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع لا بالعقل المجرد . ‏ ([81])
 {فانطلقا حتىٰ إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} (81-83)
معنى الآية إجمالا :
{ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله...الحديث }
فلما شاهد موسى عليه السلام هذا أنكره أشد من الأول، وبادر قائلا : {أقتلت نفسا زكية } أي صغيرة لم تعمل الحنث ، ولا عملت إثما بعد فقتلته {بغير نفس } أي بغير مستند لقتله لقد جئت بشيء منكر، وفعلت فعلا غير معروف .
فقال له الخضر معاتبا ومذكرا { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صيرا } ؟ فقال له موسى عليه السلام : إن سألتك بعد هذه المرة عن شيء فأنت معذور بتركك صحبتي.  فقد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي . ‏
وفي الآيات من الفوائد :
49-    أن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ، ويراعى أكبر المصلحتين بتفويت أدناهما ، وهي قاعدة عظيمة من قواعد أصول الفقه ، فإن قتل الغلام شر ، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما أعظم شرا منه ، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته وإن كان يظن أنه خير ، فالخير ببقاء دين أبويه وإيمانهما خير من ذلك ، فلذلك قتله الخضر . ([82])
50-     أن موافقة الصاحب لصاحبه –في غير الأمور المحذورة – مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها ، كما أن عدم الموافقة سبب     لقطع المرافقة . ([83])

{فانطلقا حتىٰ إذآ أتيآ أهل قرية استطعمآ أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال هـٰذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} (84-85)
معنى الآيات إجمالا :
{ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: مائل، فقال الخضر بيده هكذا فأقامه، فقال موسى:       قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال هٰذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} أي : سأخبرك بما يؤل إليه عاقبة أفعالي التي فعلتها فلم تستطع على ترك المسألة عنها  وعن النكير على فيها صبرا والله أعلم.

 وفي الآيات من الفوائد :
51-    في الآية الأولى دليل على سؤال القوت، وأن من جاع وجب عليه أن يطلب ما يرد جوعه خلافا لجهال المتصوفة. والاستطعام سؤال الطعام، والمراد به هنا سؤال الضيافة، بدليل قوله: «فأبوا أن يضيفوهما» فاستحق أهل القرية لذلك أن يذموا، وينسبوا إلى اللؤم والبخل، كما وصفهم بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.  ([84])
52-    ويظهر من الآيات أن الضيافة كانت واجبة على من كان قبلنا ، وأن الخضر وموسى إنما سألا ما وجب لهما من الضيافة، وهذا هو الأليق بحال الأنبياء، ومنصب الفضلاء والأولياء . أشار إلى ذلك القرطبي. ([85])
53- في قوله تعالى: {لاتخذت عليه أجرا} فيه دليل على صحة جواز الإجارة، وهي سنة الأنبياء والأولياء .  ([86])
54-    من الأخلاق الحميدة مقابلة الإساءة بالإحسان ذلك أن الخضر عليه السلام فعل ما فعل في قرية مذموم أهلها وقد تقدم منهم سوء صنيع من الإباء عن حق الضيف مع طلبه ، ولم يهم فيها مع أنها حرية بالإفساد والإضاعة بل باشر الإصلاح لمجرد الطاعة ولم يعبأ عليه السلام                                  بفعل أهلها اللئام . ([87])
55-    ويستفاد من إنكار موسى عليه السلام فيما سبق وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات، وترك الاعتراض على المشايخ وتأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم وحركاتهم ، وأقوالهم . ([88])
56-    أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال ويترك صحبته حتى يعتبه ، ويعذر منه ، كما فعل الخضر مع موسى . ([89])

{أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان ورآءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} (86)
معنى الآية إجمالا :
هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى عليه السلام، وما كان أنكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر عليه السلام على حكمة باطنة، فقال: إن السفينة إنما خرقتها لأعيبها لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة {يأخذ كل سفينة } صالحة أي جيدة    {غصبا } فأردت أن أعيبها لأرده عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين  لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها .
وفي الآية من الفوائد :
57-   استدل الشافعي بهذه الآية على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه ، وأنه أصلح حالا من الفقير .
58-     في إضافة الخضر عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب، لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله: {وإذا مرضت فهو يشفين} (الشعراء: 80) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند إلى نفسه المرض، إذ هو معنى نقص ومصيبة، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح، وهذا كما قال تعالى: {بيدك الخير} (آل عمران: 26) واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع، إذ هو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء خبير. انظر: البحر المحيط ([90]) ، والقرطبي ([91])       وابن جزي. ([92])  

{وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينآ أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنآ أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكـاة وأقرب رحما} (88،87)
معنى الآية إجمالا :
وأما الغلام الذي قتلته فكان كافرا مطبوعا على الكفر ، وكان أبواه مؤمنين {فخشينا} أي خفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين {طغيانا} عليهما {وكفرا} لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه، ويلحق بهما شرا وبلاء، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفرة، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان، وطاغ كافر أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان ، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة أي:  أردنا أن يرزقهما الله تعالى ولدا خيرا من هذا الغلام زكاة أي دينا وصلاحا . {وأقرب رحما} أي يكون هذا البدل أقرب عطفا ورحمة بأبويه بأن يكون أبر بهما وأشفق عليهما والرحم الرحمة والعطف .
وفي الآية من الفوائد:
59-    ويستفاد من هذه الآية تهوين المصائب بفقد الأولاد وإن كانوا قطعا من الأكباد، ومن سلم للقضاء أسفرت عاقبته عن اليد البيضاء. قال قتادة: لقد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فالواجب على كل امرئ الرضا بقضاء الله تعالى، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه له فيما يحب.  ([93])

{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغآ أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطـع عليه صبرا}
معنى الآيات إجمالا :
وأما الجدار الذي أقمته فكان لغلامين صغيرين في المدينة ، وقد خبأ أبوهما الصالحين تحته مالا لهما فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما بأنفسهما من تحت الجدار ، ولولا أني أقمته لانقض وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظه والانتفاع به .
 وهذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام وولدي الرجل الصالح، وما فعلته عن أمري أي لكني أمرت به ووقفت عليه . {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} أي: ذلك المذكور من تلك البيانات التي بينتها لك وأوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه ولم تطق السكوت عليه .
وفي الآيات من الفوائد :
60-    {وكان أبوهما صـٰلحا } فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقر عينه بهم، وعلى هذا يدل قوله تعالى: {إن وليـي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} (الأعراف: 196).  قاله ابن كثير ([94]) والقرطبي ([95])
61-    وفي قصة موسى والخضر من الفوائد أن الله يفعل في ملكه ما يريد , ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر , فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لأحكامه , بل يجب على الخلق الرضا والتسليم , فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حكمه لم ولا كيف , كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث ، وأن العقل لا يحسن ولا يقبح وأن ذلك راجع إلى الشرع : فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن , وما قبحه بالذم فهو قبيح .   وأن لله تعالى فيما يقضيه حكما وأسرارا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وإرادته من غير وجوب عليه ولا حكم عقل يتوجه إليه , بل بحسب ما سبق في علمه ونافذ حكمه , فما أطلع الخلق عليه من تلك الأسرار   عرف , وإلا فالعقل عنده واقف . فليحذر المرء من الاعتراض فإن مآل ذلك إلى الخيبة . ([96])



([1]) سورة هود [120] .
([2]) سورة يوسف [3] .
([3]) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح) كتاب التفسير ، حديث رقم (4725)        ج8/ 262 . ومسلم في صحيحه (مع شرح النووي)  ج15/ 164.
([4]) انظر هذه الأقوال في قصص الأنبياء لا بن كثير ص547.
([5]) المصدر السابق .
([6]) هذه اللفظ فيها أربعة لغات :  بفتخ الخاء وكسر الضاد وقد تسكن ، وكسر الخاء والضاد وقد تسكن . انظر: روح المعاني ج5/319.
([7]) انظر هذه الأقوال في : البداية والنهاية 7/ 368، وقصص الأنبياء لابن كثير ص  574.     قال ابن كثير رجمه الله : ، فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى ، بل لا يلتفت إلى ما عداه . قصص الأنبياء ص 550.
([8]) الفروة البيضاء: ما على وجه الأرض من الحشيش الأبيض وشبهه من الهشيم. وقيل. الفروة: الأرض البيضاء التي لا نبات فيها. وقيل: هي الهشيم اليابس. ومنه قيل : فروة الرأس وهي جلدته بما عليها     من الشعر . انظر : النهاية في غريب الحديث ج3/441.
([9]) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح) كتاب التفسير ، حديث رقم (4725)        ج8/ 262 . ومسلم في صحيحه (مع شرح النووي)  ج15/ 164.
([10]) انظر بحث هذه المسألة في فتح الباري 8/262، وشرح النووي 15/168، وقصص الأنبياء ص 550.
([11]) أضواء البيان 4/ 170.
([12])قصص الأنبياء ص 511.
([13]) الأنبياء [34] .
([14]) أضواء البيان 4/175.
([15]) الحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الأدب ص 367.
([16]) أضواء البيان 4/ 178.
([17]) آل عمران [81] .
([18]) انظر: قصص الأنبياء لابن كثير ص 562.
([19]) أضواء البيات 4/ 170.
([20]) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب التفسير ، حديث رقم (4725) ج8/ 262 . ومسلم في صحيحه (مع شرح النووي)  15/ 164.
([21]) تفسير القرطبي ج11/ 9.
([22]) تفسير السعدي ج3/ 175.
([23]) التحرير والتنوير 7/360.
([24]) الجديث أخرجه مسلم في صحيحه (مع شرح النووي) ، كتاب الألفاظ من الأدب ، 15/ 5.
([25]) تفسير القرطبي ج11/ 9 .
([26]) شرح النووي ج15/ 146، وتفسير السعدي 3/ 175.
([27]) تفسير الرازي 21/124.
([28]) التحرير والتنوير 7/361.
([29]) التحرير والتنوير 7/365.
([30]) الحديث في البخاري وقد تقدم تخريجه . وما بين القوسين [  ] إضافة من عندي .
([31]) التحرير والتنوير 7/366.
([32]) الحديث أخرجه أبو داود في سننه ، في كتاب المناسك ، باب التزود في الحج 2/ 257، وصححه الألباني في سنن أبي دواد حديث رقم (1522) .
([33]) تفسير القرطبي ج11/ 11.
([34])تفسير القرطبي ج11/11.
([35])تفسير السعدي ج3/176.
([36]) انظر: فتح الباري ج8/ 276.
([37]) بدائع الفوائد 3/203.
([38])تفسير السعدي ج3/176.
([39])تفسير الرازي 21/125.
([40]) روح المعاني ج5/317.
([41])التحرير والتنوير 7/367.
([42])تفسير السعدي ج3/175.
([43])روح المعاني ج5/314.

([44]) الحديث متفق عليه وقد ثقدم تخريجه .
([45]) سورة الإسراء [آية : 35] .
([46]) أضواء البيان 4/174.
([47]) فتح الباري 1/ 286.
([48]) تفسير النسفي 2/65.
([49]) فتح القدير 3/ 299.
([50]) انظر: المحرر الوجيز 10/ 426، وتفسير القرطبي ج11/ 13.
([51]) تفسير الرازي 21/128.
([52])تفسير القرطبي ج11/13.
([53]) فتح البيان 8/81.
([54])تفسير الرازي 21/128.
([55]) المصدر السابق .
([56]) المصدر السابق .
([57]) المصدر السابق .
([58]) المصدر السابق .
([59])التحرير والتنوير 7/370.
([60])البحر المحيط ج6/ 160.
([61])تفسير الرازي 21/129.
([62])تفسير السعدي ج3/177.
([63])تفسير الرازي 21/129.
([64]) المصدر السابق .
([65]) المصدر السابق .
([66])تفسير السعدي ج3/178.
([67])تفسير الرازي 21/129.
([68])التحرير والتنوير 7/372.
([69])تفسير السعدي ج3/178.
([70])تفسير السعدي ج3/178.
([71])تفسير الرازي 21/130.
([72])تفسير الرازي 21/130.
([73]) تفسير البضاوي 2/18
([74])تفسير السعدي ج3/178.
([75]) الحديث متفق عليه وقد تقدم تخريجه .
([76]) تفسير القاسمي نقلا عن صاحب الانتصاف ج11/18.
([77])تفسير القرطبي ج11/15.
([78])تفسير السعدي ج3/179.
([79]) أشار إلى ذلك : ابن حجر في الفتح ج/ 275. والسعدي 3/ 179.
([80])التحرير والتنوير 7/376.
([81]) انظر : شرح النووي 15/137، وفتح الباري 1/246.
([82])تفسير السعدي ج3/179.
([83])تفسير السعدي ج3/181.
([84]) شرح النووي 15/ 137، وتفسير القرطبي ج11/11.
([85])تفسير القرطبي ج11/18.
([86])تفسير القرطبي ج11/18.
([87])روح المعاني ج6/13.
([88]) شرح النووي 15/ 137.
([89])تفسير السعدي ج3/181.
([90]) البحر المحيط ج6/ 160.
([91])تفسير القرطبي ج11/25.
([92]) التسهيل 1/ 194.
([93])تفسير القرطبي ج11/26.
([94]) تفسير ابن كثير 3/ 99.
([95])تفسير القرطبي ج11/ 27.
([96]) فتح الباري 1/266.