----------------- المظاهرات و الاحتمالات المنطقية --------------------
الاستاذ عادل عبد الوهاب
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و بعد :
*احتمالات تغيير منكرات النظام و اصلاح فساده عبر المظاهرات :
الاحتمال الأول : زوالها بالكلية و حلول الخير و النماء
الاحتمال الثاني : نقصانها و التقليل من انتشارها
الاحتمال الثالث : ظهور منكرات مساوية لها
الاحتمال الرابع : ظهور منكرات اكبر منها
*احكام هذه الاحتمالات:
في الاحتمال الاول : الانكار واجب ، لان ازالة المنكر واجبة . و من الادلة على ذلك قوله تعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(104) .آل عمران.
في الاحتمال الثاني : الانكار واجب ، لأن تقليل الفساد واجب ان لم نقدر على ازالته .
ومن الادلة على ذلك حديث
أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه حيث قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :« من رأى
منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك
أضعف الإيمان ». أخرجه مسلم
في الاحتمال الثالث : الانكار و عدمه سواء ، لأنه لن يغير شيئا .و من الأدلة على ذلك قوله تعالى (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41))يونس
في الاحتمال الرابع : الانكار محرم ، لأن النتائج ستكون عكسية ، و الفساد سيتضاعف ، و الشريعة تدعو الى ترك الانكار اذا كان يؤدي الى منكر اكبر ، و من الأدلة على ذلك قوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) )الانعام
* وجهة نظر :
بالنظر الى واقعنا المعاصر ، و نتائج المظاهرات المشاهدة فالاحتمال الذي تحقق هو الاحتمال الرابع (و حكمه التحريم)
لان المظاهرات لم تقض على الفساد و كذلك لم تقلل من انتشاره بل زادت الفساد
و الخراب ، و هيأت الجو للمفسدين لتسوية الحسابات الشخصية ، و مهدت المناخ
للسفهاء ليصلوا الى مآربهم الدنيئة ، و الضحية هم المواطنون البسطاء
واصحاب المحلات و المتاجر و الكادحين من اجل لقمة العيش ، لهذا و غيره قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة ٌ جاهلية) متفق عليه .
*مع العلم بان المظاهرات حولها الملاحظات التالية :
1- لافتاتها المرفوعة متباينة و احيانا متعارضة ( فمنهم من يريد اسقاط النظام ، و منهم من يريد اصلاح النظام ، و منهم من يريد المشاركة في النظام ، و منهم من له شعاره الخاص)
2- نتائجها مجهولة و خارجة عن السيطرة ( بدايتها تكون معلومة ، اما نهايتها و ما يترتب عليها فليس الى معرفتها سبيل )
3- عناصرها و افرادها ذوي انتماءات مختلفة ، و مرجعيات متناقضة (خليط غير متجانس من النكرات ، و مجهولي الهوية ، و الأُميين ، والمثقفين ، و العمال ، و الموظفين ، و الاكاديميين ، والسياسيين ، و العملاء ، و الجواسيس ، و السفهاء ، و غيرهم )
4- أدواتها مخربة و مهلكة ( الحرق ، التدمير ، النهب ، السلب ، القتل)
و الحل
طويل الأمد ، و يحتاج الى صبر و جلد ، و مفتاحه قوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم ) ، و قد ربَّى النبي صلى
الله عليه و سلم اصحابه 21 عاما ثم فتح بهم مكة في السنة الثامنة للهجرة ..
فلكل مقام مقال و لكل حال حال .. و لا بد من المضي قدما في ميدان التربية و الاصلاح الاخلاقي ، بعزم أكيد ، و سعي حثيث ، و نفس طويل ، فعندما يتغير المحكوم حتما سيتغير الحاكم ، كما انه :
قــــــد يدرك المتأني بعض حاجته * و قد يكون مع المستعجل الزللُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق